__________________
بيان ذلك : إن الذي يوقع الانسان في هذه المقالة هو وضعه لجهنّم أمام عينيه عند ما يسأل عقله ، وهذا الوضع يوجب انحرافا مزاجيا عند العقل ، وذلك كما لو علم شخص بأنّ النائم بجنبه في الليل ميت وهما لوحدهما في البيت فانّه رغم علمه بموته لكنّك تراه يخاف منه ولا ينام مطمئنّا ، هذا الانحراف المزاجي هو الذي يعطّل العقل السليم من أن يحكم على طبق فطرته الأوّليّة. فعلى الانسان اذا أراد أن يسأل عقله ان يجتنب كلّ المؤثّرات الخارجية ثمّ ينظر. وهنا لو اعتقدنا من الشارع المقدّس أنّه لن يعاقب أصلا حتّى مع المخالفة وانّما يكتفي باللوم فقط ، فهل لله تعالى أن يلوم الشخص الذي يحتمل أو يظنّ بوجود تكليف الزامي رغم سؤاله بالفحص؟
قال السيد المصنّف (قده) : نعم ... وقد يستدل على مقالته بلزوم دفع الضرر المحتمل عقلا ، فمن يحتمل دخوله للنار يوم القيامة مع عدم احتياطه ـ مع عدم وجود مؤمن بحسب الفرض ـ يلزمه عقله بالاحتياط. ولك أن توضّح هذا الأمر بنحو آخر بأن تقول إنّ الشارع المقدّس لم يقيّد الأحكام الشرعية أو متعلقاتها ـ في الغالب ـ بالعلم بها ، فكان يقول مثلا الخمر حرام ، لا معلوم الخمرية حرام أو الخمر حرام فعلا ان علمت بحرمته جعلا ، وكذا في سائر الالزاميات ، فخوفا من أن نقع في مخالفة الواقع المجهول ونرتكب ما فيه مفسدة وقبح أو نترك ما فيه ملاك الواجب والمصلحة الالزامية يلزمنا العقل بالاحتياط في موارد الاحتمال.
(أقول) إنّ ما ذكر في النحو الأوّل يتوقّف دفعه على العلم ببراءة الذمّة ، وهذا ما سنبيّنه إن شاء الله بعد قليل ، فلا نعود نحتمل الضرر. وأمّا ما ذكر في النحو الثاني فجوابه انّ الموارد تختلف ، ففي الموارد المهمّة كما في موارد احتمال التسمّم لا يحكم العقل فيها ببراءة الذمّة ، وأمّا في غير ذلك فانّ العقل يحكم فيها ببراءة الذمّة سواء كان المورد من الشبهات الحكمية أم من الشبهات الموضوعية ، وجوبية كانت الشبهة أم تحريميّة ، وان كان الأمر في الشبهات الحكمية أوضح ، وفي خصوص الوجوبية أشدّ وضوحا ، ولعلّ هذا هو السرّ في ورود بعض الروايات في خصوص الشبهات الموضوعية التحريمية لتأكيد البراءة في هذا المورد.