__________________
وبيان أوضحيّة براءة الذمّة في الشبهات الحكمية أن نقول : إنّ سكوت المشرّع الحكيم عن ايصال الأحكام الشرعية للمكلفين مع قدرته الطبيعية على ايصالها بطرق كثيرة إلى الناس لكاشف عن الترخيص به ، ولذلك ترى انّ الله تعالى يرشد رسوله الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى استعمال هذه البراءة العقلية في جداله مع احبار اليهود الذين ينكرون نبوّته ولو ظاهرا وفي مقام الجدال ، فقال تعالى : (قل لا أجد فى ما أوحى إلىّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مّسفوحا أو لحم خنزير ...) ، فلو لم تكن اصالة الحليّة أصلا عقلائيا واضحا لما صحّ هذا البرهان بهذا الاسلوب ، وقد بيّنا هذا الأمر أكثر في بحث البراءة الشرعية عند الاستدلال بهذه الآية على البراءة ، وواضح عدم الفرق بين احتمال الحرمة واحتمال الوجوب إن لم يكن حكم العقل بالبراءة في الثاني أولى ، وذلك لوجود مفسدة في ارتكاب الحرام بخلاف ترك الواجب فان فيه ترك المصلحة الملزمة ، وارتكاب القبيح أشدّ ضررا من ترك الواجب مع فرض تساويهما في الأهمّية.
(ولك) أن تقول : إذا تردد الحكم الشرعي عند المجتهد بين الالزامي وغير الالزامي فحينئذ يستكشف العقل الترخيص ، وذلك يظهر ممّا يلي :
إنّه لا شكّ في أنّ الرسول الأعظم والأئمّة الهداة كانوا في عصرهم المبارك بصدد بيان تمام الشريعة الالهية إلى الناس كما ورد في بعض الآيات القرآنية الكريمة من قبيل قوله تعالى : (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل وعليكم مّا حمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرّسول إلّا البلغ المبين) ، فلو كان الشارع المقدّس مهتمّا بهذا التكليف المعيّن كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو وجوب السورة في الصلاة لا وصله إلينا بطرق صحيحة وهو قادر على إيصالها بشكل طبيعي وبأساليب متعدّدة ، وإنّ كثرة الروايات أالواردة في السواك والقياس تصلح أن تكون منبّهة على ما ذكرنا ، فعدم إيصال حجج تنجّز علينا التكاليف المشكوكة ـ مع القدرة على إيصالها ـ أمارة.
__________________
(أ) فقد ورد في كتاب (الآداب الطبّية في الاسلام ص ٢١٣) أنّ الروايات الواردة في السواك تفوق المائة رواية بكثير جدّا ، أقول وذكر في جامع أحاديث الشيعة (الجزء الأوّل) روايات في حرمة العمل بالقياس قد تزيد على روايات السواك.