__________________
نفى الله تعالى الفعل فقال مثلا اننا لا نعذب حتى نبيّن لهم الاحكام ، لا مكن ان نقول عدم التعذيب لا ينافي استحقاق التعذيب ، ورفعه قد يكونه حينئذ من باب المنّ ، لكنّه تعالى أراد أن ينفي توهّم استحقاق التعذيب قبل ان يبعث رسولا يبين شريعة الله ، فنفى الصفة ولم ينف الفعل فقط ، وبينهما فرق ، فإن الله تعالى لا ينفي صفة معيّنة عنه إلّا إذا كان فيها نسبة نقص اليه تعالى ، وهذا أمارة عدم استحقاق العذاب قبل بعث الرّسول ، وان تعذيب الله تعالى لهم حينئذ يكون ظلما ، وحاشا لله ان يتّصف بالظلم.
راجع إن شئت الموارد المشابهة لهذا المورد كقوله تعالى (وما كنّا عن الخلق غافلين)(وماكنا ظالمين) وليتّضح الفرق عندك اكثر ـ بين نفي الفعل ونفي الصفة ـ لا حظهما معا في قوله تعالى (وما كان الله ليعذّبهم وانت فيهم ، وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون) فنفى في الحالة الأولى الفعل اشارة منه تعالى إلى استحقاق العذاب وانّ رفعه عنهم انما هو من باب المنّ ، ولذلك عقّب تعالى في الآية الثانية مباشرة بقوله (وما لهم ألّا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه ..).
لكن في الحالة الثانية ليس لله تعالى ان يعذبهم وهم يستغفرون فكان المناسب ان ينفي الله تعالى هنا الصفة إيماء منه أن ليس له تعذيبهم ، لأنّه حينئذ ظلم.
وما نحن فيه كهذه الحالة الثانية بلا فرق(*)
____________________________________
(*) انّ اعتراف السيد المصنّف رحمهالله بانّ مفاد الآية الكريمة هو (ان الجاهل بالحكم لا يستحق العذاب) يناقض مسلكه بحقّ الطاعة ويبطله بدليل الآية ، والقدر المتيقن من الجاهل بالحكم هو المجتهد الذي فحص ولم يجد دليلا محرزا على الحكم. (ثم) إنّ هاهنا نقطة يحسن الاشارة اليها وهي أن القدر المتيقّن من نظر هذه الآية هو مورد الشبهات