وعلى هذا الاساس سوف تتغيّر نتيجتان من النتائج التي انتهينا إليها :
الاولى : ما كنّا نفترضه من التمسّك بإطلاق دليل الحجيّة لاثبات حجيّة كلّ من المتعارضين مشروطة بكذب الآخر وكنّا نستفيد من ذلك لنفي احتمال الثالث (١) ، فان هذا الافتراض يناسب الدليل اللفظي الذي له اطلاق يشمل المتعارضين بحدّ ذاته ، وامّا إذا كان مدرك الحجيّة الادلّة اللبيّة من السيرة العقلائية وغيرها فلا اطلاق فيها للمتعارضين رأسا فلا يمكن ان نثبت بها حجيّتين مشروطتين على النحو المذكور (٢).
__________________
(١) وببيان آخر : إننا كنّا نقول : «إذا ورد تحرم الجمعة وتجب الجمعة فانّ دليلي حجية السند والظهور يفيدان انه إذا كان احد الدليلين كاذبا فالثاني حجّة. وليس معنى الحجيّة انه صادق واقعا. وذلك لاطلاق دليلي الحجيّة ، فإذا كان الثاني حجّة فلازمه عدم حجيّة الثالث ، ومعناه نفي الثالث» ، فانّ هذا الاطلاق في دليلي الحجيّة انما يصحّ إذا كان دليلا الحجيّة لفظيّين كآية النبأ مثلا فانه يمكن التمسك باطلاقها لاثبات حجيّة سند الدليل الغير معلوم الكذب ، امّا إذا كان مدرك الحجيّة الادلّة اللبيّة فلا يوجد فيها اطلاق ليتمسّك به لهذا الدليل وليشمل هذا الدليل الثاني الغير معلوم الكذب ، فان لم يعتبر احدهما حجّة لا يمكن ان يستفاد نفي الثالث.
(٢) حينما تعتبر الروايتان حجتين احداهما مشروطة بكذب الاخرى فمعنى ذلك انه إذا كذبت احداهما كانت الثانية حجّة فكان الاحتمال الثالث. كاستحباب صلاة الجمعة في المثال المتقدّم. باطلا تعبّدا وهو يعني نفي احتمال الثالث. وإذا عكسنا المقدّمة الاولى وقلنا «.. فلا يمكن ان نثبت بها حجيتين مشروطتين ..» انعكست النتيجة ولم يمكن حينئذ نفي الثالث.