فيها تعلم من موضع آخر متابعة لمن تقدّمنا في الذكر ، واشتمالها على الخصال الحسان حتّى قال البيضاوي إنّها جامعة للأعمال (١) الإنسانيّة بأسرها دالّة عليها صريحا أو ضمنا ، فإنّها لكثرتها وتشعّبها منحصرة في ثلاثة أشياء : صحّة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب الأخلاق ، وقد أشير إلى الأوّل بقوله (مَنْ آمَنَ) إلى قوله (وَالنَّبِيِّينَ) وإلى الثاني بقوله (وَآتَى الْمالَ) إلى (وَفِي الرِّقابِ) وإلى الثالث بقوله (وَأَقامَ الصَّلاةَ) إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق ، نظرا إلى إيمانه واعتقاده ، والتقوى باعتبار معاشرته للخلق ، ومعاملته مع الحقّ جل جلاله ، وتهذيب أفعاله ونفسه وإليه أشار بقوله صلىاللهعليهوآله «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان» لكن لا يخفى أنّ العمل بها إنّما يتيسّر لأصحاب النفوس القدسيّة ، ومن يحذو حذوهم.
وفي مجمع البيان استدل أصحابنا بهذه الآية على أنّ المعنىّ بها أمير المؤمنين عليهالسلام لأنّه لا خلاف بين الأمّة أنّه إذا كان جامعا لهذه الخصال فهو مراد بها قطعا ، ولا قطع على كون غيره جامعا لها ، ولهذا قال الزجّاج والفراء : إنّها مخصوصة بالأنبياء والمعصومين لأنّ هذه الأشياء لا يؤدّيها بكلّيّتها على حقّ الواجب فيها إلّا الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام.
وقد يستدلّ بها على عدم اعتبار الأعمال الصالحة في أصل الإيمان ، بل في كماله كما هو اختيار الأكثر. اللهمّ اجعلنا ممّن اتّصل بك ، وانقطع عمّا سواك ، وجعل أفعاله مقصورة على ابتغاء وجهك وقصد رضاك [ولقّنا حجّتنا يوم نلقاك ، واحشرنا مع الأنبياء والأئمّة المعصومين ، الّذين جعلتهم حججا على الخلق أجمعين] (٢).
الثانية : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٣).
__________________
(١) للاعمالات خ ، للكمالات خ.
(٢) الزيادة من نسخة القاضي.
(٣) حم السجدة : ٧.