ويحتمل (١) أن يراد باتمامهما الإتيان بما بقي منهما بعد الشروع فيهما ، ولا خلاف في ذلك بين أصحابنا ، فإنّهم يوجبون إتمام كلّ من الحجّ والعمرة بعد الدخول فيهما وإن كانا قبل الشروع مستحبّين غير واجبين وهو قول العامّة إلّا نادرا منهم (٢) ، ويدلّ عليه ظاهر الآية ، فإنّ الإتمام كما يتناول الصحيح يتناول الفاسد أيضا لصدق الاسم على كلّ منهما وفي الأخبار دلالة عليه أيضا.
(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) منعتم ، والإحصار المنع يقال للرّجل الّذي منعه المرض من التصرّف قد أحصر فهو محصر ، وللرّجل الّذي حبسه العدوّ عن المضيّ أو سجن قد حصر فهو محصور ، فالإحصار للمرض والحصر للعدوّ ويقال للحبس الحصر ، هذا هو الأكثر في الاستعمال ، وعن الفرّاء يجوز أن يقام كلّ منهما مقام الآخر ، وأنكره جماعة من
__________________
(١) وفي نسخة سن فقط بدل هذه القطعة من الكلام هكذا : ويؤيد الوجه الأول أن الإتمام كثيرا ما يراد به فعل الشيء تاما قال تعالى (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ) والمراد ففعلهن على التمام وإذا كان كذلك وجب ان يكون هو المراد لان الحمل على المعنى الثاني يستدعي الإضمار في الآية ويكون التقدير : أتموا الحج والعمرة ان شرعتم فيهما والأصل عدم التقدير اما وجوب الإتيان بما بقي منهما بعد الشروع فيهما فلا خلاف فيه بين أكثر أهل العلم فإنهم يوجبون إتمام كل من الحج والعمرة بعد الدخول بهما وان كانا قبل الشروع مستحبين غير واجبين بل لو كانا فاسدين كما لو أفسدهما بعد ان يكون شرع فيهما صحيحا فإنه يجب عليه إتمامهما عندنا وهو قول العامة إلا نادرا منهم وفي الاخبار دلالة عليه أيضا.
(٢) قال في الخلاف ج ١ ص ٤١٩ المسئلة ٢٠٢ من مسائل الحج : من أفسد حجه وجب المضي فيه واستيفاء أفعاله وبه قال جميع الفقهاء الا داود فإنه قال يخرج بالفساد منه.
دليلنا إجماع الفرقة بل إجماع الأمة وداود قد سبقه الإجماع وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك وأيضا قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) يتناول هذا الموضع لانه لم يفرق بين حجة أفسدها وبين من لم يفسدها وما قلناه مروي عن على عليه الصلاة والسّلام وابن عباس وعمر وأبى هريرة ولا مخالف لهم في الصحابة انتهى.