بلغ محلّه أحلّ وانصرف إلى منزله ، وعليه الحجّ من قابل.
وفصّل آخرون فقالوا إذا أحصر ومعه هدي قد ساقه ، فان كان قد أوجبه عليه بوجه من الوجوه بعث بهدي آخر للتحلّل عن إحصاره ، وإن لم يكن أوجبه بحال من إشعاره ولا غيره أجزأه عن إحصاره وهو جيّد فإنّه مع إيجاب الهدي يكون قد تعيّن عليه ذبحه أو نحره ، فلا يكون مجزيا عن هدي الإحصار ، لأصالة عدم التداخل واقتضاء كلّ سبب مسبّبا ، أمّا مع عدم إيجابه فيكفي ، بظاهر الآية.
وعلى كلّ حال فهل يجب تقسيم هذا الهدي مثل هدى التمتّع أو صرف جميعه إلى الفقراء أو لا يجب شيء سوى الذبح ، يحتمل الأخير للأصل السّالم عن المعارض وعدم اقتضاء ما يخرجه عن ملكه إلّا أن يدّعى أنّ الغرض من ذبحه حصول النّفع للفقراء لا مجرّد الذّبح ، ولا كونه بدل هدي التمتّع ، ولهذا يجب على غير المتمتّع أيضا ، والاحتياط غير خفيّ.
الرابع : أطلق الشّافعيّة عدم وجوب الحجّ من قابل بعد التحلّل بذبح الهدي واستدلّ القاضي (١) عليه بظاهر الآية نظرا إلى أنّ اقتصاره تعالى في صورة الإحصار على الهدي دليل عدم القضاء ، وأنكره الحنفيّة فأوجبوا القضاء من قابل ، والّذي ذهب إليه أصحابنا وجوب قضاء الحجّ من قابل إذا كان واجبا [مستقرّا في ذمّته قبل عام الفوات] وعليه دلّت أخبارهم وربما يأبى ذلك ما في صحيحة ذريح (٢) المتقدّمة لاقتضائها عدم الوجوب ، وحملها الشّيخ على النّدب ، ويمكن حملها على من لم يستقرّ الوجوب في ذمّته كما لو لم يمض عليه زمان يمكن إيقاع الحجّ وأخّره عمدا من غير عذر ، فإنّه حينئذ لا يجب عليه الحجّ مع فوات الاستطاعة ، نعم لو بقيت استطاعته في السّنة المقبلة أيضا وجب عليه الحجّ.
الخامس : مقتضى الآية وجوب التحلّل بالهدي مع الإحصار بالمرض ، سواء فاته الحجّ أولا ، وقال بعضهم ذلك مقيّد بعدم فواته ، حتّى أنّه لو صبر المحصر ولم يتحلّل
__________________
(١) انظر ص ٤٢ ط المطبعة العثمانية.
(٢) قد مر في ص ١٢٨ من هذا الجزء.