الثالثة : (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (١).
(الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) الكنز هو المال المذخور تحت الأرض ، ولعلّ المراد هنا حفظها وعدم إخراج الزكاة الواجبة فيها ، كما دلّ عليه قوله (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) لأنّهم لو أخرجوا زكاتها وكنزوا ما بقي لم يكونوا ملومين بلا خلاف ، والمعنيّ بالآية أمّا كثير من الأحبار والرهبان المحكىّ عنهم سابقا فيكون مبالغة في وصفهم بالحرص على المال والضنّ بهما ، وإمّا المسلمون ويكون ذكرهم مع المرتشين من أهل الكتاب للتغليظ ، والأولى : أن يحمل على العموم في الفريقين كما قاله الشيخ في مجمع البيان لعموم اللفظ فيعمل عليه وضمير «ينفقونها» إمّا أن يعود إلى الكنوز والأموال المدلول عليها ، وإمّا أن يعود إلى الفضّة وحدها ، واكتفي بها عن الآخر للإيجاز ، وتساوى حكمهما أو أولويّته في الذهب.
(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أصل البشرى ما يظهر في بشرة الوجه من فرح أو غمّ إلّا أنه كثر استعماله في الفرح ، وأريد بها التهكّم بحالهم وما يلحقهم من العذاب.
(يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) متعلّق بما تقدّمه كأنّه بيان للعذاب الأليم اللّاحق
__________________
ـ إنما الإشكال في جريان قاعدة الجب في الأحكام الوضعية ، من حقوق الناس كالقرض والوديعة والسرقة والزكاة والخمس وغيرها وغير حقوق الناس كالطهارة والنجاسة والصحة والبطلان وكذلك في جريانها في الواجبات الموسعة إذا أسلم الكافر وقد قضى من وقتها بمقدار أدائها جامعة للشرائط وخالية عن الموانع ، والبحث مبسوط مذكور في متفرقات المسائل الفقهية في الكتب المفصلة وقد نقحه العالم الجليل المجهول القدر السيد فتاح تغمده الله بغفرانه في كتابه عناوين الأصول في العنوان السادس والستين.
(١) براءة : ٣٦.