ولا منافاة هنا بين تحريم الكنز ووجوب الزكاة بل الظاهر أنّ التحريم لترك الواجب ومن ثمّ لم يتعرّض أكثر المفسّرين لكونها منسوخة ، وعلى هذا فيكون فيها إشارة إلى وجوب الزكاة في النقدين ويكون بيان القدر الواجب المخرج وقدر النصاب وما يتعلّق بذلك معلوما من دليل خارج عنها ، كالأخبار والإجماع.
الرابعة (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١) (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) يحتمل أن يراد بها الزكاة المفروضة فإنّها معلومة بتعيين الشارع ، وتبيينه من كلّ جنس قدرا معيّنا ، وأن يراد به الصدقات المندوبة الّتي وظّفوها (٢) على أنفسهم تقرّبا إلى الله تعالى وإشفاقا على الناس.
(لِلسَّائِلِ) وهو المستجدى الّذي يطلب (وَالْمَحْرُومِ) وهو المتعفّف الّذي يظنّ بذلك غنيّا فيحرم من الإعطاء ، والآية مسوقة لمدحهم على ذلك ، فإن أريد الزكاة كانت في ثبوت المدح لهم بذلك خفاء فانّ كلّ مسلم كذلك ، بل كلّ كافر ، إن قلنا إنّه مخاطب بالفروع ، إلّا أنه إذا أسلم سقط ، ويمكن أن يكون المدح باعتبار الكسب والإخراج وعلى الثاني يكون فيها ترغيب وحثّ لصاحب المال على أن يجعل في ماله شيئا للمذكورين ، ولو بالوصيّة وغيرها ، خصوصا إذا كان دائما مستمرّا.
ويؤيّده ما رواه الكلينيّ (٣) عن القاسم بن عبد الرحمن قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول إنّه جاء رجل إلى علىّ بن الحسين عليهالسلام فقال له أخبرني عن قول الله عزوجل (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ما هذا الحقّ المعلوم؟ فقال له علىّ بن الحسين عليهالسلام الّذي تخرجه من مالك ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين ، قلت فما هو؟ قال : الشيء الّذي يخرجه الرجل من ماله إن شاء أقلّ وإن شاء أكثر على قدر ما يملك
__________________
(١) المعارج : ٢٤ ، ومثلها في الذاريات : ١٩.
(٢) أوجبوها خ.
(٣) انظر الكافي أول باب الزكاة باب فرض الزكاة الحديث ١١ وذيل الحديث ، فقال الرجل الله اعلم حيث يجعل رسالته.