نحن متوكّلون على الله ، فيكونون كلّا وعيالا على النّاس فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا الاستطعام والإبرام ، والتثقيل على النّاس.
(وَاتَّقُونِ) وخافوا عقابي واتّقوا المعاصي الّتي هي سبب العقاب ، أو اتّقوني فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ، والمرجع واحد (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يا أصحاب العقول فانّ لبّ الشّيء خالصة ، ولبّ الإنسان عقله ، إذ هو سبب الفوز بالسّعادات كلّها.
خصّهم بالخطاب لأنّهم المتأهّلون لذلك ، فإنّ قضيّة العقل خشية الله واتّقاء المعاصي فكأنّ من لم يتّق لا عقل له ، وهو كذلك عقلا ونقلا أمّا الأوّل فلأنّ من عرف عظمته تعالى وصدّق بعقابه وثوابه ، ولم يتّقه بل أقدم على المعصية لم يكن له عقل قطعا ، وإلّا لصدر منه ما ينفعه لا ما يضرّه ، وأمّا الثّاني فللأخبار المشحونة بأنّ العقل هو ما عبد به الرّحمن واكتسب به الجنان (١) وما عدا ذلك فليس بعقل ، ولعلّ في إطلاق اتّقائه من غير قيد تنبيها على أنّ المقصود من التّقوى هو الله ، فكأنّ التقوى إذا لم يكن لله لم تكن تقوى ، وأنّ جعله تعالى مقصودا وقطع النظر عن كلّ شيء سواه ، هو مقتضى العقل السّليم.
الثالثة : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (٢).
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) حرج وإثم (أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) بتقدير في أن تبتغوا عطاء من ربّكم وتفضّلا وزيادة في الرّزق بسبب التّجارة والرّبح بها ، فهو منصوب بنزع الخافض وحذف حرف الجرّ مع أنّ قياسه من باب الحذف والإيصال والعامل فيه معنى جناح ، أي لا تأثمون في ابتغاء الفضل وطلب الرّزق من ربّكم بالتجارة
__________________
(١) راجع أصول الكافي كتاب العقل الرقم ٣.
(٢) البقرة : ١٩٨.