ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (١) والله سبحانه لا يستقرض عن عوز ولكن ذكر هذا اللفظ على التلطّف ، أي يعامل عباده معاملة المستقرض من حيث إنّ العبد ينفق ماله في الطاعة حال غناه ، فيأخذ أضعاف ذلك في حال فقره وحاجته ، فكذلك كان يعامل عباده معاملة الشاكرين من حيث أنّه يوجب الثناء والثواب لهم.
وإرداف ذلك بالعلم للتّنبيه على أنّه تعالى لا يفوّت على أحد شيئا من جزائه على الطاعة ، فإنّه لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيعلم بالنيّات ، وأنّ الافعال على أيّ وجه يقع بها.
الثامنة : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٢) (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) أي الكعبة ، غلب عليها كما غلب النجم على الثريّا (مَثابَةً
__________________
ـ وانعامه على العاملين شكرا لهم. مع أن عملهم لا ينفعه ولا يدفع عنه ضرا فيكون أنعاما عليه ويدا عنده ، وانما منفعته لهم فهو في الحقيقة من نعمه عليهم إذ هداهم اليه وأقدرهم عليه.
فهل يليق بمن يفهم هذا الخطاب الا على أن يرى نعم الله عليه لا تعد ولا تحصى وهو لا يشكره ولا يستعمل نعمه فيما سيقت لأجله ، ثم هل يليق به أن يرى بعض الناس يسدي إليه معروفا ثم لا يشكره له ولا يكافئه عليه ، وان كان هو فوق صاحب المعروف رتبة وأعلى منه طبقة فكيف وقد سمى الله تعالى جده وجل ثناؤه أنعامه على من يحسنون إلى أنفسهم والى الناس شكرا والله الخالق وهم المخلوقون وهو الغنى الحميد وهم الفقراء المعوزون انتهى ما أردنا نقله.
(١) البقرة : ٢٤٥ والحديد : ١١.
(٢) البقرة : ١٢٥.