ليتحرّزوا بعدهم عن إلقاء الارجاف وإثارة الفتن ، ويقدموا على إصلاح مهمّاتهم وعلى ماله دخل في طاعة الله ورسوله ، وموافقة السّرّ والعلن ، كما يفعل الموالي النّاصح بصاحبه.
(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أي ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل ، ووضع المحسنين موضع الضّمير للدّلالة على أنّهم منخرطون في سلك المحسنين ، غير معاتبين لذلك ، وقيل إنّ الآية عامة في كلّ محسن (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لهم أو للمسيء فكيف من هو محسن ، ففي الآية دلالة على عدم وجوب الجهاد على هؤلاء المذكورين.
وقد يستدلّ بها على عدم وجوبه على المرأة لدخولها في الضّعفاء وكذا الصّبيّ غير البالغ ولا المجنون ولا خلاف في ذلك بين أصحابنا ، نعم لو عرض المرض بعد الخروج إلى الجهاد وبعد التقاء الزحفين ففي سقوطه والحالة هذه خلاف بين أصحابنا ، ولكن المشهور بينهم السقوط ، لعموم الآية فإنّ المرض قد يكون في الابتداء وقد يعرض في الأثناء ، والآية تشملهما.
وقال ابن الجنيد لو خرج فأصابه المرض قبل بلوغه الحرب كان له الرّجوع فان ناله ذلك والزّحفان قد التقيا لم يكن له الرّجوع لظاهر قوله تعالى (١) (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) الآية ويجاب عنه بأنّها لا تنافي ما نقوله ، فانّ الحرام تولية الدبر مع القدرة ، لا مع العجز ، وظاهر نفي الحرج عن الضّعفاء يقتضي أنّه لو كان الضّعيف موسرا لم يجب عليه إقامة غيره مقامه ، وإليه ذهب جماعة من الأصحاب ، وأوجب آخرون الإقامة نظرا إلى عموم الأمر بالجهاد ، وهو فعل يقبل النّيابة ، فإذا تعذّرت المباشرة وجبت الاستنابة تحصيلا لما أوجبه الشّارع ، ويدفعه أنّ الخاصّ مقدّم في العمل على العامّ ، نعم لو احتيج إلى الاستنابة بأن عجز القائمون عن الدّفع وجبت لعموم الحاجة.
(وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) عطف على الضّعفاء أي ولا على الّذين إذا جاؤك ويسألونك مركبا يركبونه فيخرجون معك إلى الجهاد ، إذ ليس معهم
__________________
(١) الأنفال : ١٦.