والجملة استيناف لبيان ما هو السّبب لاستيذانهم من غير عذر (١) وهو رضاهم بالدناءة والانتظام في جملة الخوالف إيثارا للدعة (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) حتى غفلوا عن وخامة العاقبة (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) مغبّة ذلك.
الثانية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٢).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) أي يقربون إليكم من الكفّار أمر تعالى بقتال الأقرب منهم فالأقرب ، فلا يجوز التخطّي عنه إلى الأبعد بمقتضى الآية ولأنّ ذلك قد يؤدّي إلى الضّرر.
قيل : كان هذا قبل الأمر بقتال المشركين كافّة ثمّ نسخ ، وفيه ضعف لقيام الحكم في الآية ، والغرض منها الترتيب في القتال ، فتكون هذه الآية أخصّ من الآية المشتملة على الأمر بالقتال ، فلا تنافي ، ولأنّ قتال الأبعد مع وجود الأقرب يؤدّى إلى الضّرر وربما يمنعهم ذلك عن المضيّ في جهتهم ، ولانّ الاشتغال عنه بالبعيد يوجب تمكّنه من انتهاز الفرصة بالمسلمين لاشتغالهم عنه ، والحكم مخصوص بما إذا لم يكن الأبعد أشدّ خطرا ، وأعظم ضررا من الأقرب وإلّا كان الابتداء بقتاله أولى ، ومن ثمّ قاتل النبيّ صلىاللهعليهوآله الحارث بن أبي ضرار (٣) لمّا بلغه أنّه يجمع له ، وكان بينه وبينه عدوّ أقرب منه ، وفتح مكّة قبل حرب هوازن ، وكذا لو كان الأقرب مهادنا.
قال الطّبرسيّ في مجمع البيان (٤) : وفي هذا دلالة على أنّه يجب على أهل كلّ
__________________
(١) في هامش قض : كأنه قيل : ما لهم استأذنوا وهم قادرون على الاستعداد؟ فقيل : رضوا بالدناءة والانتظام ، منه رحمهالله.
(٢) براءة : ١٢٤.
(٣) انظر التفصيل في السير شرح غزوة لبني المصطلق وكان الحارث بن أبى ضرار سيدهم ورئيسهم.
(٤) المجمع ج ٣ ص ٨٤.