ثغر الدّفاع عن أنفسهم ، إذا خافوا على بيضة الإسلام وإن لم يكن هناك إمام عادل ولعلّ وجه الدّلالة إطلاق الأمر بالقتال من غير تقييد.
(وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) شدّة وصبرا على القتال ، وقرئ بفتح الغين وضمّها وهما لغتان فيها (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فيحرسهم وينصرهم ومن كان الله ناصره في الحرب لم يغلبه أحد ، فامّا إذا نصره بالحجّة في غير الحرب فإنّه يجوز أن يغلب في الحرب لضرب من المحنة وشدّة التكليف.
الثالثة : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١).
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) بالغ في حثّهم عليه ، وأصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتّى يشفي على الموت ، وقرئ حرّص من الحرص [والتحريص والتحريض بمعنى واحد] (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الكلام شرط لكنّه في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة ، والوعد بأنّهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده ، وعلى هذا فلا يعترض بأنّه يلزم منه أن لا يغلب قطّ مائتان من الكفّار عشرين من المؤمنين والواقع خلافه ، لأنّ وجه الغلبة على تقدير تسليم وقوعها لفقدان الشرط وهو الصّبر.
(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) بسبب أنّ الكفّار جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثّواب وعوالي الدرجات ، إن قتلوا أو قتلوا ، ولا يستحقّون
__________________
(١) الأنفال : ٦٤ و ٦٥.