فإقرار هؤلاء مع ثبوت الكتاب لهم حقيقة أولى.
والجواب ما تقدّم أنّ اللّام في الكتاب للعهد ، والمراد التوراة والإنجيل لأنّه المتبادر عند الإطلاق ، بخلاف ما عداهما ، فإنّها ليست كتبا منزلة على ما قيل وإنّما هي وحي يوحي ، ولو سلّم أنّها منزلة فهي قد اشتملت على مواعظ لا غير ، وليس فيها أحكام مشروعة ، فلم يكن لها حرمة الكتب المنزلة ، وعن الثاني أنّهم ملحقون بأهل الكتاب لقوله صلىاللهعليهوآله «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» لا أنّهم داخلون في الآية حقيقة ، وفيما ذكرنا كفاية للمستبصر ، ولتفصيل أحكام الجزية بحث يطول ، فليطلب من محلّه.
الرابعة : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١).
(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) مالوا إليه ، ومنه الجناح ، وقد تعدّى باللّام وإلى والسّلم : الصّلح والاستسلام (فَاجْنَحْ لَها) وعاهد معهم ، وتأنيث الضّمير بحمل السّلام على نقيضها وهو الحرب (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولا تخف من إبطانهم خداعا فيه فانّ الله يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بنيّاتهم.
وفي الآية دلالة على جواز الهدنة ، وهي المعاهدة على ترك الحرب ، ووضع القتال مدّة معيّنة بعوض وبغير عوض قيل هي مخصوصة بأهل الكتاب لاتّصالها بقصّهم وقيل عامّة منسوخة (٢) بقوله (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
والحقّ أنّها غير منسوخة ، وأمرها عندنا منوط برأي الإمام ، فما يرى فيه المصلحة يفعله مع الكفّار المحاربين ، وما خلا عن المصلحة لا يجوز فيه ذلك ، كما لو كان
__________________
(١) الأنفال : ٦٢.
(٢) وانظر أيضا ما أفاده آية الله الخويي ص ٢٤٨ من البيان.