في المسلمين قوّة وفي المشركين ضعف ، ويخشى قوّتهم أو اجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال فإنّه لا يجوز له مهادنتهم ، والحالة هذه ، لوجود الضرر على المسلمين.
قال في المنتهى ولا نعلم فيه خلافا ولو كانت الحاجة تدعو إلى المهادنة لضعف المسلمين عن المقاومة جاز أن يهادنهم إلى أن يقوى المسلمون ، ولا يتعيّن في ذلك وقت بل يجوز ولو إلى عشر سنين ، لما رواه الجمهور (١) عن مروان ومسور بن مخرمة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم صالح سهيل بن عمرو على وضع القتال عشر سنين ، أمّا لو كان في المسلمين قوّة ولكنّ المصلحة اقتضت المهادنة فإنّه لا يجوز المهادنة أكثر من سنة إجماعا.
كذا في المنتهى واستدلّ عليه بقوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) الآية وهي عامّة إلّا ما خصّه الدليل ويجوز المهادنة أربعة أشهر فما دون إجماعا لقوله تعالى (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) حيث أمر أن يقال للمشركين : سيحوا في الأرض آمنين هذه المدّة ، أمّا ما بينهما ففيه خلاف بين العلماء ويمكن ترجيح العدم نظرا إلى ظاهر قوله تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) الآية دلّت على قتلهم بكلّ حال ، خرج قدر الأربعة بالآية السابقة ، فيبقى ما عداه على عموم القتل.
واحتجّ المجوّزون بأنّ المدّة قصرت عن أقلّ [مدّة] ظ الجزية ، فجاز العقد فيها كالأربعة ، وهو قياس غير ظاهر الوجه ، فكان مردودا وتفصيل ذلك يطلب من محلّه.
الخامسة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ
__________________
(١) انظر البيهقي ج ٩ ص ٢٢١ باب ما جاء في مدة الهدنة رواه عن مروان بن الحكم ومسور بن مخرمة وروى الشافعي في الأم ج ٤ ص ١٨٩ أيضا قصة كون المهادنة عام الحديبية عشر سنين.