نعم سوق الكلام يدلّ على أنّه لو لم يكن مؤمنا لقتل ، فكان له ظنّ بعدم القتل لإيمانه وكون مثله مكرها غير معلوم ، مع أنّ ظاهر قوله (أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) من غير إكراه لا معه ، فأين الدلالة عليه؟ على أنّ الصحّة يراد بها موافقة الأمر ، وكون المكره بهذه المثابة غير معلوم إلّا أن يراد بالصحة لازمها ، وهو كونه حاقنا لدمه وماله فتأمل وكون القاتل في هذه الصورة مجتهدا غير معلوم ، لكن هذا يتمشّى على أصولهم من كون ظنّ الصحابىّ مستندا إلى اجتهاد ، فتأمّل.
السادسة : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (١).
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) يحتمل الماضي والمضارع ، حذف إحدى تائيه ويؤيّد الأوّل قراءة «توفّاهم» والثاني «توفّاهم» مضارع «توفّيت» والمتوفّى على الحقيقة هو الله تعالى لأنّه الفاعل لكلّ شيء إلّا أنّ الرئيس المفوّض إليه هذا العمل ملك الموت ، وسائر الملائكة أعوانه ، وعلى هذا فالتوفية قد يسند إلى الله تعالى وإلى الملائكة وإلى ملك الموت ، وما يفعله الملك وملك الموت يجوز أن يضاف إلى الله تعالى إذا فعلوه بأمره.
(ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) حال من المفعول لعدم إفادة الإضافة اللّفظية تعريفا أي في حال ظلمهم أنفسهم بالعصيان بسبب ترك الهجرة الواجبة ، وموافقة الكفّار بإظهار عدم الايمان ، قيل نزلت في جماعة من أهل مكّة (٢) أسلموا ولم يهاجروا عن بلاد الشّرك
__________________
(١) النساء : ١٠٠.
(٢) انظر لباب النقول ص ٧٥ أخرجه عن الطبراني عن ابن عباس وانظر أيضا الدر المنثور ج ٢ من ص ٢٠٥ الى ص ٢٠٧.