المؤمنين إحداهما باغية والأخرى عادلة فهزمت العادلة الباغية فقال ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا ولا يقتلوا أسيرا ولا يجهزوا على جريح ، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ، ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإنّ أسيرهم يقتل ومدبرهم يتبع ، وجريحهم يجهز عليه.
هذا وقد استفاد بعضهم من الآية أنّ من كان عليه حقّ فمنعه بعد المطالبة به حلّ قتاله لأنّه تعالى أوجب قتال هؤلاء البغاة لمنع حقّ ، فكلّ من منع حقّا وجب قتاله عملا بالعلّة الثّابتة علّيّتها بالمناسبة.
قال العلّامة في المنتهى (١) : وهذا ليس بصحيح لأنّ الحقوق تتفاوت فأعظمها حقّ الإمام في التزام الطّاعة الّذي به يتمّ نظام نوع الإنسان ، فلا يلزم من وجوب المحاربة على تفويت أعظم الحقوق ، وجوبها على تفويت أدناها ، ولأنّ هذا خطاب للأئمّة دون آحاد الأمة انتهى كلامه ، وهو جيّد ، ولتفصيل أحكام البغاة بحث يطول فليطلب من محلّه.
***
وممّا يتعلّق بذلك قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) (٢) قرأه على الأصل نافع وابن عامر ، والباقون بدال مشدّدة (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) محبّة الله تعالى للعباد أن يثيبهم أحسن الثواب على طاعتهم ، ويعظمهم ويثني عليهم ، ويرضى عنهم ، ومحبّة العباد لله تعالى إرادة طاعته وابتغاء مرضاته ، وأن لا يفعلوا ما يوجب سخطه وعقابه.
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) عاطفين عليهم متذلّلين من الذّل الّذي هو اللّين لا من الذلّ
__________________
ـ والحديث في الوسائل الباب ٢٣ من أبواب وجوب الجهاد الحديث ١ ج ٢ ص ٤٢٦ ط الأميري وللحديث تتمة لم يذكرها المصنف.
(١) المنتهى ج ٢ ص ٩٨٣.
(٢) المائدة : ٥٤.