من كثير أو قليل ، أو المراد الإنفاق في جميع الأحوال لأنّ الإنسان لا يخلو في وقت من أوقاته عن مسرّة أو مضرّة ، فلا يمنعهم حال فرح وسرور ، ولا حال محنة وبلاء من إنفاق ما قدروا عليه.
(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الممسكين عليه الكافّين عن إمضائه مع القدرة ، من قولهم كظمت القربة إذا ملأتها وشددت رأسها ، ولعلّ الوجه في التعبير عن إمساك الغيظ بالكظم بهذا المعنى الإشارة إلى أنّه لا ينبغي أن يخرج منه شيء أصلا ، ولو قليلا ، فانّ المطلوب شدّ رأس القربة ، بحيث لا يترشّح منه شيء أصلا ، وإلّا لم يحصل الغرض.
(وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) بالصّفح والتجاوز ، وعدم المؤاخذة مع الجناية عليهم لكن ينبغي أن يكون بالنسبة إلى نفسه ، بحيث لا يؤول إلى إبطال الحدود والتعزيرات الشرعيّة ، والتّهاون فيها ، وفيه دليل على أنّ العفو عن الجاني مرغّب فيه مندوب إليه ، وإن لم يكن واجبا.
(وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المحسن هو المنعم على غيره على وجه عار عن وجه القبح ، ويكون المحسن أيضا عبارة عن الفاعل للأفعال الحسنة من وجوه الطّاعات والقربات ، ويجوز أن يكون اللّام فيه للجنس فيتناول كلّ محسن ، ويدخل تحته هؤلاء المذكورون ، ويجوز أن يكون للعهد فيه فيكون إشارة إلى الموصوفين بالصّفات المذكورة كأنّه قيل : والله يحبّهم ، فعبّر عنهم بذلك ، ليدلّ على أنّ ذلك إحسان أيضا.
ومقتضى الآية أنّ الأوصاف المذكورة لها دخل في وصف التّقوى ، ولعلّ تقديم الإنفاق في العسر واليسر عليها لكونه أشقّ شيء على النفس ، وأدلّة على الإخلاص ولذا كثرت الأخبار في مدح السّخاء وذمّ البخل.
قال في مجمع البيان أوّل ما عدد الله سبحانه من أخلاق أهل الجنّة السّخاء ويؤيّد ذلك من الأخبار ما رواه أنس بن مالك (١) عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال السّخاء شجرة
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٥٠٥ وقريب منه في المضمون الحديث بالرقم ٤٨٠٣ من الجامع الصغير ج ٤ ص ١٣٨ فيض القدير بعدة طرق عن عدة من الصحابة عن النبي صلىاللهعليهوآله فراجع.