عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) (١) فعلم من ذلك أنّ ذكر المتّقين هنا للاهتمام أو لغيره لا للحصر ، وتنكير جنّات على تقدير كون «أولئك» خبر «الّذين» للدّلالة على أنّ ما لهم أدون ممّا للمتّقين الموصوفين بتلك الصّفات المذكورة في الآية المتقدّمة ، وكفاك فارقا بين القبيلين أنّه فصل آيتهم بأن بيّن أنّهم محسنون مستوجبون لمحبّة الله ، وذلك لأنّهم حافظوا على حدود الشّرع وتخطّوا إلى التخصيص بمكارمه ، وفصل آية هؤلاء بقوله (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) نظرا إلى أنّ المتدارك لتقصيره ، كالعامل لتحصيل بعض ما فوّت على نفسه ، وفرق ما بين المحسن والمتدارك ، والمحبوب والأجير ، ولعلّ في تبديل لفظ الجزاء بالأجر إشارة إلى هذه النكتة ، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره «ونعم أجر العاملين ذلك» يعني المغفرة والجنّات.
السادسة : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (٢).
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) أي القرآن ، وقرئ نزّل على البناء للمجهول ونائب الفاعل قوله (أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ) وهي المخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، والمعنى أنّه إذا سمعتم آيات الله (يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها) وهما حالان من الآيات (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) وهو جزاء «إذا» الشرطيّة و «غيره» صفة «حديث» والمراد نهي المؤمنين عن مجالسة المعاندين المستهزئين ، وقت إظهار العناد والكفر والاستهزاء بالآيات منهم ، فضمير «معهم» يرجع إلى الكفّار
__________________
(١) الحديد : ٢١.
(٢) النساء : ١٤٠.