التقيّة على الأنبياء [قلت ويؤيّده أنّه لو جوّزنا عليهم التقيّة لجاز منهم ترك الواجب بسبب الخوف ، وهو يوجب سقوط الاعتماد على التكاليف الّتي بلّغها إلينا.
ثمّ قال] وأمّا السّهو والنّسيان فلم يجوّزوهما عليهم فيما يؤدّونه عن الله تعالى فأمّا ما سواه فقد جوّزوا عليهم أن ينسوه ويسهو عنه ، ما لم يؤدّ ذلك إلى إخلال بالعقل وكيف لا يكون كذلك وقد جوّزوا عليهم النوم والإغماء ، وهما من قبيل السّهو ، فهذا ظنّ منه فاسد وبعض الظنّ إثم انتهى.
والظاهر من كلامه أنّه لا خلاف في ذلك بين الإماميّة ، وفيه تأمّل.
ولمّا نزلت الآية ، ضاق أمر المسلمين معهم ، فكانوا لا يستطيعون أن يجلسوا في المسجد الحرام ولا أن يطّوّفوا به ، فنزلت الرّخصة في أن يقعدوا معهم ويذكروهم ويفهموهم بقوله (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي الشرك والكبائر والفواحش (مِنْ حِسابِهِمْ) من ذنوبهم وآثامهم الّتي يحاسبون عليها (مِنْ شَيْءٍ) (وَلكِنْ ذِكْرى) أي ولكن يذكرونهم تذكيرا ، أو ولكن الّذي يأمرونهم به ذكري فهو مفعول مطلق أو خبر. ولا يجوز أن يكون عطفا على محلّ «من شيء» كقول القائل ما في الدّار من أحد ولكن زيد لأنّ قوله «من حسابهم» حال «من شيء» قدّم عليه فصار قيدا للعامل ، فان عطف ذكري على شيء عطف المفرد على المفرد كانت جهة القيد معتبرة فيه ، ويؤل المعنى إلى أنّ عليهم من حسابهم ذكري ، وظاهر أنّ ذكري ليس من حسابهم فتأمّل (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) المعاصي فلا يخوضون فيها.
[الثامنة (وَقالَ) (١) أي الشيطان (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) ادّعى الشيطان هيهنا أشياء أوّلها اتّخاذه من العباد نصيبا معيّنا وهم الّذين يتّبعون خطواته ويقبلون وسوسته ، وثانيها قوله (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) أي عن الحقّ ، وثالثها قوله (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أي الأماني الباطلة كطول الحيوة وأنّه لا بعث ولا عقاب ، وفيه إشعار بأنّه لا حيلة له في الإضلال أقوى من إلقاء الأمانيّ في قلوب الخلق ، وظاهر أنّ طلب الأمانيّ يورث
__________________
(١) النساء : ١١٨ ، وهذا العنوان من مختصات سن تحت عنوان التاسعة.