وهذه الأمور وإن كانت من وصايا لقمان لابنه إلّا أنّ الله تعالى أعطاه الحكمة ونقل وصيّته في كتابه ، وهو يدلّ علي الحثّ عليها فيجب العمل بها وحينئذ فكلّ ما يدلّ على التحريم فيها يعمل به فيه ، وكذا غيره من الأحكام إلّا أن يقوم الدّليل من الخارج على العدم فيعمل عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) (١) أي لا يسخر بعض المؤمنين من بعض ، أو لا يسخر أغنياء المؤمنين من فقرائهم والسخريّة الاستهزاء واختار الجمع لأنّ السخرية تغلب وقوعها في المجامع لا الوحدة ، ومقتضى النهي تحريم السخرية والاستهزاء وقوله (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) أي المسخور منهم قد يكونون خيرا عند الله وأجلّ منزلة وأكثر ثوابا من السّاخرين ، استيناف للعلّة الموجبة للتحريم ، ولا خبر لعسى هنا لإغناء الاسم عنه (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) أي لا يسخر نساء من نساء لذلك ، قيل نزلت في عائشة لمّا عابت أمّ سلمة بالقصر.
(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ولا يعب بعضكم بعضا كقوله (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) (٢) والتعبير بذلك لأنّ المؤمنين كنفس واحدة أو المراد لا تفعلوا ما تلمزون به بين النّاس بأن تجعلوا أنفسكم عرضة للمز بصدور بعض الأفعال ، فإنّ من فعل ما استحقّ به اللّمز فقد لمز نفسه ، واللّمز الطّعن باللّسان.
(وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي ولا يدعو بعضكم بعضا باللّقب السّوء الّذي لا يرضى به المدعوّ ، والنبز يختصّ باللّقب السّوء عرفا ، وإنّما قال (وَلا تَنابَزُوا) ولم يقل «ولا تنبزوا» على منوال ولا تلمزوا لأنّ النبز لا يعجز الإنسان عن جوابه غالبا فمن نبز غيره بالحمار كان لذلك الغير أن ينبزه بالثور مثلا ، ولا كذلك اللّمز فانّ الملموز كثيرا ما يغفل عن عيب اللامز فلا يحضره في الجواب شيء ، فيقع اللّمز من جانب واحد.
__________________
(١) الحجرات : ١١ ـ ١٢.
(٢) النساء : ٢٩.