الفاجر بما فيه كي يحذره النّاس ، وروي (١) أن من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له ويمكن أن يقال : إن كان القصد من الغيبة ارتداعه عن فسقه بعد وصول الخبر إليه فلا قصور ، وإن كان القصد فضيحته بذلك فالظاهر المنع ، لعموم (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) (٢) فتأمّل.
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) تمثيل لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه ، مع مبالغات الاستفهام المقرّر ، والإسناد إلى أحد ، فإنّه للتعميم ، وتعليق المحبّة بما هو في غاية الكراهة ، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان وجعل المأكول لحم الأخ الميّت ، وتعقيب ذلك بقوله (فَكَرِهْتُمُوهُ) تقريرا وتحقيقا لذلك.
والمعنى إن صحّ ذلك أو عرض عليكم فقد كرهتموه ، ولا يمكنكم إنكار كراهته [وفي الآية هي دلالة على أنّ الاغتياب الممنوع إنّما هو اغتياب المؤمن الكافر ، لأنّه شبّهه بأكل لحم الأخ ولا أخوّة إلّا بين المؤمنين] وميتا حال من اللّحم أو الأخ (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) لمن اتّقى ما نهى عنه ، وتاب عمّا فرط منه ، والله أعلم.
وممّا له تعلّق بالمقام قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) (٣).
[(وَيْلٌ) لفظه ذمّ وسخط ، ومن وقع في هلكة دعا بالويل ويروى أنّه جبل في جهنّم (لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمز الكسر كالهزم واللّمز الطّعن كاللهز ، وقد شاعا في الكسر من أعراض النّاس والطّعن فيهم ، نزلت في الأخنس بن شريق (٤) كان يلمز
__________________
(١) رواه المفيد في الاختصاص ص ٢٤٢ عن الرضا ورواه عنه في البحار ج ١٦ ص ١٨٩ وفي المستدرك ج ٢ ص ١٠٨ ورواه في المستدرك أيضا عن القطب الراوندي في لب اللباب عن النبي (ص) وأخرجه في الجامع الصغير بالرقم ٨٥٢٥ ج ٦ ص ٨٧ عن البيهقي عن أنس وأخرجه النيسابوري أيضا مرسلا عند تفسير الآية.
(٢) النور : ١٩.
(٣) من هنا الى آخر الباب من مختصات نسخة سن.
(٤) المجمع ج ٥ ص ٥٣٨ والكشاف ج ٤ ص ٧٩٥ وفيه وقد قيل نزلت في أمية بن خلف.