كثير ، فقال : يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وعلى من ننفقها؟ (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) مال (فَلِلْوالِدَيْنِ) الأب والامّ والجدّ والجدّة وإن عليا ، لأنّهما يدخلان في اسم الوالدين (وَالْأَقْرَبِينَ) أقارب المعطى غير العمودين.
سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف إمّا لأنّه أهمّ فإنّ اعتداد النفقة وترتّب الثواب عليها باعتباره. وإمّا لأنّه كان في سؤال عمرو ، وإن لم يكن مذكورا في الآية واقتصر في بيان المنفق على ما تضمّنه قوله (مِنْ خَيْرٍ) للتنبيه على أنّ كلّ ما هو خير فهو صالح للإنفاق.
(وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) قد مرّ بيانهم ، وقد اختلف العلماء في انتساخ حكم هذه الآية فقال السدّىّ : وردت في الزكاة ، ثمّ نسخت ببيان مصارفها الثمانية السابقة ، والأكثر على أنّها واردة في نفقة التطوّع على من لا يجوز وضع الزكاة فيه ، وفي الزكاة لمن يجوز وضعها فيه ، فهي عامّة فيهما غير منافية لغرض الزكاة ، فلا وجه للحكم بنسخها ، مع أنّ الأصل عدم النسخ.
والحاصل أنّ النسخ إنّما يكون مع المنافاة ، وإنّما يكون لو كانت محمولة على الزكاة الواجبة ، لاقتضائها حينئذ إعطاء الوالدين منها ، وهو غير جائز ، أمّا لو كانت محمولة على الإنفاق الراجح الّذي هو أعمّ من الواجب والندب ، أو على الإنفاق الواجب الّذي هو أعمّ من الزكاة والنفقة الواجبة للوالدين والأقربين ويكون البيان في ذلك معلوما من دليل خارج عن الآية ، فلا. وكذا لو حملت على الإنفاق المندوب.
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) من عمل صالح يقرّبكم إلى الله نفقة أو غيرها ، وهو في معنى الشرط (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) جوابه أي إن تفعلوا خيرا فإنّ الله يعلم كنهه ويوافي ثوابه من غير أن ينقص عليكم منه شيء.
الثالثة : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (١).
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) قيل إنّ السائل هو عمرو بن الجموح أيضا (٢) سأل
__________________
(١) البقرة : ٢١٩.
(٢) انظر المجمع ج ١ ص ٣١٦.