الزوال فأجدر بالعاقل أن لا يبخل بإنفاقه ، ولا يحرص على إمساكه ، فيكون عليه وزره ولغيره نفعه.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من المنع والإعطاء (خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه ، وهو تأكيد للوعد والوعيد في الإنفاق والبخل ، لإحراز الثواب والأجر ، والسلامة من الإثم والوزر.
وقد يستدلّ بعموم الآية على وجوب بذل العلم وتحريم كتمانه من أهله ، إذا لم يكن هناك مانع من تقيّة ونحوها ، بل روى ابن عبّاس (١) أنّها نزلت في أحبار اليهود الّذين كتموا صفة محمّد ونبوّته ، وأراد بالبخل كتمان العلم الّذي آتاهم الله ، ولا ينافيه على الأوّل وروده في الزكاة لأنّ العبرة بعموم اللفظ ، وكذلك قوله تعالى : (سَيُطَوَّقُونَ) لما مرّ أنّ المراد يلزمون وباله ، ويؤيده ما روى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتم علما من أهله ألجمه الله بلجام من نار (٢) ، ونحوه.
التاسعة : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (٣).
(قَدْ أَفْلَحَ) قد فاز (مَنْ تَزَكَّى) تطهّر من الكفر والمعاصي ، أو تكثّر من التقوى أخذا من الزكاة وإيّاه أراد من قال معناه قد ظفر بالبغية من صار زاكيا بالأعمال الصالحة والورع ، وقيل تزكّى أي أعطي زكاة ماله ، إمّا مطلقا أو زكاة الفطرة بخصوصها كما يشعر به قوله (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) أي صلاة العيد على احتمال ، ويحتمل مطلق الصلاة لقوله (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٤) وقيل : ذكر الله بقلبه عند صلوته فرجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فانّ الخشوع في الصلاة بحسب الخوف والرجاء.
وقيل : ذكر اسم ربّه بلسانه عند دخوله في الصلاة ، فصلّى بذلك الاسم أي قال : الله أكبر ، لأنّ الصلاة لا تنعقد إلّا به ، وبهذا احتجّت الحنفيّة على أنّ التكبيرة
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٥٤٦.
(٢) أخرجه في البحار ج ٢ ص ٧٨ من الطبعة الحديثة عن غوالي اللئالي.
(٣) الأعلى : ١٤ و ١٥.
(٤) طه : ١٤.