يوجب الزيادة بازديادها ، أو لاطمينان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر الأدلّة أو بالعمل بموجبها ، وهو قول من قال الايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، بناء على دخول العمل فيه ، وهو قول مرغوب عنه. وقد تحقّق مما ذكرناه أنّ زيادة الايمان تكون على ثلاثة أنحاء : الأوّل بقوّة الدليل وتكثّره فانّ كلّ دليل فهو مركّب لا محالة من مقدّمات ولا شكّ أنّ النفوس مختلفة في الإشراق والانارة ، والأذهان متفاوتة بالذكا والغباوة ، فكلّ من كان جزمه بالمقدّمات أكثر وأدوم ، كان علمه بالنتيجة أكمل وأتمّ.
الثّاني بتعدّد [النظر] التصديق وتجديده ومن المعلوم أنّ من صدّق إنسانا في شيئين كان تصديقه أزيد من تصديق من صدّقه في شيء واحد.
الثالث أن يقال الإيمان عبارة عن مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل ، وإذا كان عبارة عن مجموع الثلاثة ، فبنسبة دخول التفاوت في العمل ، يظهر التفاوت في الايمان وإن لم يكن التفاوت في الإقرار والاعتقاد متصوّرا.
(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) يفوّضون إليه أمورهم. ولا يخشون سواه ، ولا يرجون إلّا رحمته ، والواو للحال ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ كمال الإيمان إنّما يكون بالتوكّل عليه ، والإنابة إليه.
ولنختم هذا البحث بآية لها تعلّق به وهي قوله تعالى :
(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) أي إعادة عليه بمعنى صيّره له ، فان كان حقيقيّا بأن يكون له صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه تعالى خلق الناس لعبادته ، وخلق ما خلق لهم ليتوسّلوا به إلى طاعته ، فهو في أيدي الكفرة في غير محلّها ، وإرجاعها إلى المؤمنين فيء وإعادة ، وفي الكافي أنّ الله تبارك وتعالى جعل الدنيا بأسرها لخليفته حيث يقول للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١) فكانت الدنيا بأسرها لآدم ، وصارت بعده لأبرار ولده ، وخلفائه ، فما غلب عليه أعداؤهم ثمّ رجع إليهم بحرب أو غلبة ، سمّي فيئا وهو أن يفيء إليهم بغلبة وحرب فكان حكمه فيه ما قال الله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية (٢)
__________________
(١) البقرة : ٢٤.
(٢) الأنفال : ٤٢.