فالآية وإن أفادت التحريم في الحيض فقط من دون الفساد ، لم يكن للأمر بالرّجوع وجه لوقوعه صحيحا ، والتّحريم انّما علم بعد النّزول ، فلا وجه للحكم بتحقّقه قبل ، فتعيّن أن يكون الأمر بالرّجوع ليس إلّا لعدم الصحّة.
ويزيد تأييدا لما (١) قلناه ذهاب سعيد بن المسيّب وجماعة من التّابعين الى عدم صحّة الطّلاق الواقع في الحيض كما نقله في الكشاف عنهم.
وبالجملة فالنّكاح عصمة في الشّرع (٢) ثابتة بالنّصّ والإجماع وارتفاعها يتوقّف
__________________
(١) انظر الكشاف ج ٤ ، ص ٥٥٤.
(٢) وخلاصة الكلام في المسئلة انه قد أجمع أهل الإسلام قاطبة على كون الطلاق في حال الحيض للمرأة المدخول بها وفي الطهر الذي وقع فيه المواقعة منهيا عنه ، ولكنهم اختلفوا في أنه هل يقع مع ذلك الفرقة ويصح الطلاق أو لا يقع ويكون الطلاق باطلا فالشيعة الإمامية متفقون على بطلان الطلاق وهم مجمعون على ذلك لم يشذ منهم أحد.
وأما غيرهم فالأكثرون على صحته مع كون الفعل حراما : وروى في الكشاف عن سعيد بن المسيب وجماعة بطلانه والمروي عن ابن علية أيضا البطلان وبه قال ابن حزم وابن تيمية وأصر عليه ابن القيم الجوزية ، واما من الزيدية فقد قال به القاسمية على ما نقله في نيل الأوطار ، ج ٦ ، ص ٢٣٦.
وقد مال أكثر المتأخرين من أهل السنة أيضا الى البطلان وقد أفتى به الشيخ الفقيد الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر. راجع الفتاوى الفقهية ، ص ٣١٠ ، وكتاب الإسلام عقيدة وشريعة ص ١٨٧ ، ورسالة الإسلام ، العدد الأول من السنة الحادية عشر ، ص ١٠٨.
وقد أفتى ابن تيمية أيضا ببطلان طلاق الحائض فقال في ج ٣ ، ص ٣٢ من الفتاوى الكبرى آخر الصحيفة : «ولا ريب ان الأصل بقاء النكاح ولا يقوم دليل شرعي على زواله بالطلاق المحرم بل النصوص والأصول يقتضي خلاف ذلك» انتهى.
وقال في ج ٥ من الفتاوى الكبرى ، ص ٥٦٩ : «والطلاق في زمن الحيض محرم لاقتضاء النهي الفساد ولانه خلاف ما أمر الله به وان طلقها في طهر أصابها فيه حرم ولا يقع ، ويقع من ثلاث مجموعة أو متفرقة بعد الدخول واحدة». انتهى.
ولا بن القيم الجوزية بيان مبسوط في المسئلة من ص ٤٤ الى ٥١ ، ج ٤ من كتابه زاد ـ