تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها وما لكم فيها من الحوائج (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَخْرَجْنا بِهِ) عدل من لفظ الغيبة إلى صيغة التّكلّم تنبيها على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة وإيذانا بأنّه مطلع فتنقاد الأشياء المختلفة لمشيّته.
ونحوه قوله (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) ومثله في القرآن كثير.
(أَزْواجاً) أصنافا سمّيت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض (مِنْ نَباتٍ) بيان أزواج وكذلك قوله (شَتَّى) ويحتمل أن يكون صفة للنّبات ، إذ النّبات مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع وهو جمع شتيت كمريض ومرضى ، بمعنى أنّها متفرّقات في الصور والاعراض من الطّعم واللّون والرّائحة والشّكل وفي المنافع بعضها يصلح للنّاس وبعضها للبهائم.
(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) حال من ضمير «أخرجنا» على ارادة القول أي أخرجنا أصناف النّبات قائلين كلوا وارعوا انعامكم والمعنى معدّ بها لانتفاعكم بالأكل والعلف ، وحملها على الاستئناف أو انّها مفعول له لا يخلو من عدم استقامة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) اى فيما خلقنا وأخرجنا دلائل واضحة لذوي العقول الناهية عن اتّباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية بالضّمّ وهو العقل لأنّه ينهى عن القبيح.
وجوّز أبو علىّ أن يكون مصدرا كالهدي ، وخصّهم بالذّكر ، لأنّهم أهل الفكر والاعتبار فيستدلّون بها على وجود الصّانع وصفاته من العلم والقدرة والإرادة والحكمة ويتأمّلون في حصول هذه النّباتات من الأرض الغبراء بسقي الماء ووجود حكم فيها وانّ بعضها سمّ قاتل وبعضها نافع شاف وبعضها طعام وبعضها فاكهة وبعضها للدواب.
وفيها دلالة على إباحة الأرض بما فيها من النّبات والمأكل لكل انسان بالتّصرف فيها لنفسه ولأنعامه لانّه تعالى إذا أباح الأكل أباح سائر وجوه الانتفاع ومن نعم