وكمودها وبقائها على الهيئة الأصليّة بالموت كأنّها جسد لا روح فيه وقيل : أراد به احياء أهل الأرض بإخراج الأقوات وغيرها ممّا تحيي بها نفوسهم.
(وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) أي فرّق فيها من كلّ حيوان يدبّ وأراد بذلك خلقها في مواضع مترقّبة فهو عطف على أحيا لأنّ الدّواب ينمين بالخصب ويعشن بالماء ويحتمل عطفه على أنزل.
(وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) في مهابّها وأحوالها اى تقلبها في جهات العالم على حسب المصالح شمالا وجنوبا وشرقا وغربا أى صباء ودبورا وعلى كيفيّات مختلفة حارّة وباردة وعاصفة ورخاء ، وقرأ حمزة والكسائي على الافراد.
(وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فلا ينزل ولا يتقشّع مع انّ الطّبع يقتضي أحدهما حتّى يأتي أمر الله وقيل : تسخير الرّياح تقليبه في الجوّ بمشيّته (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يتفكّرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم وفيها دلالة على جواز الرّكوب في البحر والانتفاع بسمكه وطيره إلّا ما أخرجه الدّليل.
وفيها أيضا دلالة ظاهرة على وجود الإله ووحدته وحكمته وقدرته من وجوه شتّى يطول شرحها والحاصل انّ المذكور أمور ممكنة وجد كلّ منها على وجه مخصوص من بين وجوه مختلفة فلا بدّ لها من موجد قادر حكيم يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيّته متعاليا عن معارضة غيره وإلّا لم يتمّ الصّنع على الوجه البديع والنّظام العجيب.
وإنّما خصّ الايات الثمانية بالذّكر مع أنّ سائر الأجسام والأعراض مستوية في الاستدلال بها على وجود الصّانع بل كلّ ذرّة من الذّرات لأنّها جامعة بين كونها دلائل وبين كونها نعما على المكلّفين ، ومتى كانت الدلائل كذلك ، كانت أنجع في القلوب وأشدّ تأثيرا في الخواطر وعنه صلىاللهعليهوآله : ويل لمن قرء هذه الآية فمجّ بها اى لم يتفكّر فيها ولم يعتبر بها وفيها تنبيه على شرف علم الكلام والحثّ على البحث والنّظر فيه.