فلا تبذلها عند الطّلب كأنّه يريد إخفاءها منه تعالى فكأنّه لا يعلم انّ الله يعلمها والّا لم يكن للكتمان وجه.
أو المراد كتمها من عباد الله على حذف المضاف ويحتمل أن يكون صفة أخرى لشهادة والسّبب وان كان خاصّا على ما عرفت الّا أنّ العبرة بعموم اللّفظ فيمكن الاستدلال بها على تحريم كتمان الشّهادة مطلقا كما يمكن الاستدلال بها على تحريم كتمان الحكم والإفتاء ممّن له أهليّة ذلك ولا مانع له بقوله.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) نزلت في أحبار اليهود والنّصارى الّذين كتموا أمر محمّد صلىاللهعليهوآله ونبوّته وهم يجدونه مكتوبا في التّوراة والإنجيل مبيّنا فيهما فقيل ، هم المراد وقيل : انّه متناول لكلّ من كتم ما انزل الله وهو الأقوى لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
(مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) اى الكتب المنزلة من عند الله اىّ كتاب كان وقيل هو التّوراة وقيل هو القرآن.
(أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ) يبعّدهم من رحمته بإيجاب العقوبة عليهم (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) اى من يأتي منه اللّعن والمراد انّه يدعوا عليهم بالبعد عن رحمة الله واللّاعنون هم المسلمون أنسا وجنّا أو الكفّار أيضا باعتبار لعنهم ذلك الشّخص في الآخرة كما ورد ذلك أو البهائم أيضا بأن يلهمهم الله الدّعاء عليهم باللّعنة بل كلّ مخلوق على ما قيل.
قال في مجمع البيان : وفي هذه الآية دلالة على أن كتمان الحقّ مع الحاجة الى إظهاره من الكبائر ويدخل في ذلك تحريم كتمان شيء من علوم الدّين أيضا وأنّه بمثابتهم في عظم الجرم ويلزمه كما لزمهم من الوعيد.
وقد روى عن النّبيّ صلىاللهعليهوآله انّه قال : من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. ثمّ قال أيضا : وفيها دلالة على وجوب الدّعاء الى التّوحيد والعدل لأنّ في كتاب الله ما يدلّ عليهما تأكيدا لما في العقول من الأدلّة.