قلت : على هذا يمكن الاستدلال بها على تحريم كتمان الشّهادة بل على تحريم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الشّرائط لأنّ في كتاب الله ما يدلّ على ذلك. ولا يبعد الاستدلال بها على جواز لعن من يصدق عليه أحد الأمور المذكورة الموجبة بكتمان الحقّ لأنّ الله تعالى قد لعنه وأخبر باستحقاقه اللّعن من النّاس وغيرهم.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوه بالكتمان أو أخلصوا واستمرّوا على التّوبة ، أو ضموا العمل الصّالح إليها على ما تقدّم (وَبَيَّنُوا) أظهروا التّوبة ليعلم أنّهم تائبون ويعلم النّاس انّ ما فعلوه كان قبيحا ومن ثمّ قيل : من ارتكب المعصية سرّا كفاه التّوبة سرّا ومن أظهر المعصية يجب عليه أن يظهر التّوبة ، أو المراد بيّنوا التّوبة بإخلاص العمل.
ولا يبعد أن يكون أصلحوا وبيّنوا وأمثال ذلك ممّا وقع في القرآن بعد التّوبة إشارة إلى كمال التّوبة بالنّدم الى جميع المعاصي والعزم على تركها فيتخلّص من حقوق الله بالتّوبة ومن حقوق النّاس بإبراء الذّمّة من كلّ حقّ يحتاج إلى الإبراء.
(فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أقبل توبتهم والأصل في أتوب أفعل التّوبة فإذا وصل بعلى دلّ على انّ معناه قبولها.
(وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) صيغة المبالغة إمّا لكثرة ما يقبل التّوبة وامّا لانّه لا يردّ تائبا منيبا أصلا ، وفي وصفه بالرّحيم بعد وصفه بالتوّاب دلالة على انّه تعالى يسقط العقاب عند التّوبة تفضّلا منه ورحمة من جانبه كما ذهب إليه أصحابنا الإماميّة لا انّه واجب عليه عقلا كما ذهب إليه المعتزلة وقد وقع الإجماع منّا ومنهم على قبول التّوبة منه تعالى وإسقاط العقاب عندها وهو الظّاهر من الآيات وان اختلف في كون الاسقاط بالوجوب أو التّفضّل.
قال في مجمع البيان عند قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ).