الثالثة (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) اى انقضت عدتهن وبلوغ الأجل هنا على الحقيقة (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) تمنعوهنّ وتحبسوهنّ (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) بتقدير من ان ينكحن أزواجهنّ حذف وأوصل الفعل ، والخطاب في الآية امّا للأزواج الّذين يعضلون نسائهم بعد انقضاء العدّة ظلما وقسرا ولحميّة الجاهليّة فلا يتركن يتزوّجن من أردن من الأزواج ، وإطلاق الأزواج عليهنّ مجاز باعتبار الأوّل ، وأما للأولياء الّذين يمنعونهنّ أن يرجعن إلى أزواجهنّ فقد روى انّها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته أن ترجع الى الزوج الأوّل بالاستيناف.
قال القاضي (١) : فيكون دليلا على انّ المرأة لا تزوّج نفسها إذ لو تمكّنت منه لم يكن لفعل الوليّ معنى ، ولا يعارض بإسناد النكاح إليهنّ لأنّه بسبب توقّفه على إذنهن انتهى.
ولا يخفى ما فيه فأوّلا أنّ الدلالة مع احتمال الأمرين ساقط وانّما يكون مع ظهورها في الأولياء وهو غير معلوم إذ كما يحتمل الأزواج بل النّاس على العموم ، كما استوجه في الكشاف أن يكون خطابا للناس على العموم ، أى لا يوجد فيما بينكم عضل ومنع للنّساء من نكاح الأزواج لأنّه إذا وجد بينهم وهم راضون به كانوا في حكم العاصين وحينئذ فلا دلالة.
وثانيا انّا لو سلّمنا كون الخطاب فيها للأزواج ، فالنهي عن العضل لا يقتضي أن يكون للوليّ حقّ في ذلك ، بل ولا يقتضي أن يراد به ولى النّكاح بل الظّاهر من كان له اختصاص بالمرأة لظهور ان الأخ ليس بوليّ على المشهور ، وقد روى هو نزولها فيه فإذا سقطت الدّلالة من هذا الوجه ، كان قوله (يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) صريحا في استقلالهن وانتفى حمله على المشاركة فيه أو التوقف على الاذن فتأمّل.
واستدلّ بعض أصحابنا بظاهرها على سقوط الولاية مع العضل وله وجه مع تسليم الولاية والّا فلا حاجة إليه.
(إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ) اى النّساء والخطّاب وهو ظرف لان ينكحن
__________________
(١) انظر البيضاوي ج ١ ، ص ٢٤٣. والحق ما افاده المصنف كما لا يخفى.