القوى عن ذلك فاجاب الاقدمون عن هذا الاعتراض بما سجله علامتنا المحبوب محمد بن شهر آشوب فى اول هذا الكتاب الموسوم (بمتشابه القران) فاماط النقاب عن معنى المحكم والمتشابه ثم المع الى حكمة المتشابهات واثباتها فى الايات بيدانى ألهمت بضعة عشر وجها وجيها فى دفع هذا الاعتراض السالف ذكره ونقنع منها الان بذكر عشرة :
(احدها) ان الحكمة فى وجود المتشابهات لو لم تكن اجل وانفع من وجود المحكمات فليست بأقل فأن القران سفر هداية عامة لجميع اجيال البشر وينبوع علم خالد مادام الانسان والاكوان فأن اقتصر فيه على المحكمات الواضحة لم ينطوى الكتاب على تجدد فكرى وتطور نظرى والقرآن غض طرى فى كل عصر ومصر ليستظرفه ابناء كل جيل وقبيل وما ذلك الا بفضل متشابهاته وتشبيهاته ومجازاته واستعاراته وتفنناته وكناياته
(الوجه الثانى) لاهل العصور فى مختلف الدهور اذواق متلونة وانظار متفننة وهذا الاختلاف الطبيعى لا يستقيم مع المحكمات وانما يبقى محفوظا وملحوظا فى المتشابهات
(الوجه الثالث) ان اسرار العلوم تتجلى على اوجه التدريج حسب تدرج الحضارة وارتقاء البشر دورا فدورا وطورا فطورا وضرورى للقران الخالد ان يمشى مع البشر حسب تدرج علمه وتلون حضارته والا فإن تلكا يصطدم السير فى جيل واحد يتجدد الاذواق ونفرته طباع اهل ذاك الجيل ويسقط عن المستوى الرفيع والساقط لا يعود فان اقتصر على المحكمات فى عصر النزول عجز من ان يحافظ لنفسه المزية المطلوبة فى بقية العصور اما المتشابهات وفى وسعها المحافظة على المطلوب
(الوجه الرابع) ان العلوم التى كانت معروفة فى عصر النبوة ومصرها هى على اختلاف عظيم مع العلوم التى فى القرون الوسطى كما هى على اختلاف عظيم مع العلوم العصرية فلو كان القران يصرح بالتحرك للارض مثلا كاية المحكمة لرماه الناس فى عصر النبى (ص) ومصره بالجهالة ومناقضة الحس والعقل فلم يك يؤمن به واحدا من الناس قط كما انه لو كان مصرحا بسكون الارض على وجه محكم لا يتداخله الشك لكان اهل عصرنا ينتقضون على القران ويتهمونه بمخالفة الفن الحكيم فكان القران فى جموده على المحكم اما خاسرا لايمان اهل ذلك العصر واما خاسرا ايمان هذا العصر به بخلاف ما لو سلك سبيل الاجمال فى المتشابهات كقوله تعالى (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) و (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) الى غير ذلك من ايات المتشابهات تشير الى حركة الارض من طرف خفى فأن ذلك وجه متوسط يلائم ذوق العامة فى عصره كما يلائم ذوق الخاصة فى هذا