شئت قلت : الفقر إلى كل شيء ، وتلك رتبة الإنسان الكامل ، فإن كل شيء خلق له ومن أجله وسخر له ، لما علم الله من حاجته إليه ، فليس له غنى عنه ، ولذلك استخدم الله له العالم كله ، فما من حقيقة صورية في العالم الأعلى والأسفل إلا وهي ناظرة إليه نظر كمال ، أمينة على سر أودعها الله إياه لتوصله إليه. ـ حكم الصورة الإلهية التي خلق عليها الإنسان : إن العالم وإن كان على صورة الحق فما كان العالم على الكمال في صورة الحق حتى وجد الإنسان فيه ، فبه كمل العالم ، فالإنسان الأول بالمرتبة الآخر بالوجود ، والإنسان من حيث رتبته أقدم من حيث جسميته ، فالعالم بالإنسان على صورة الحق ، والإنسان دون العالم على صورة الحق ، والعالم دون الإنسان ليس على الكمال في صورة الحق ، ولذلك لما خلق الله الإنسان الكامل وخلفاءه من الأناسي على أكمل صورة ، وما ثم كمال إلا صورته تعالى ، أخبر أن آدم خلقه على صورته ليشهد فيعرف من طريق الشهود ، فأبطن في صورته الظاهرة أسماءه سبحانه التي خلع عليه حقائقها ، ووصفه بجميع ما وصف به نفسه ، ونفى عنه المثلية فلا يماثل وهو قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) من العالم ، أي ليس مثل مثله شيء من العالم ، ولم يكن مثلا إلا بالصورة ، لهذا كان الخليفة على صورة من استخلفه ، فالنسبة الجامعة بين الحق والخلق ، هي الصورة التي خلق عليها الإنسان ، ولما كان للصورة حكم ، ومن ظهر في صورة كان له حكمها ، من هنا تعرف مرتبة الإنسان الكامل الذي خلقه على صورته ، ولتلك الصور حكم فتتبع الحكم الصورة ، فلم يدّع الألوهية لنفسه أحد من خلق الله إلا الإنسان الذي ظهر بأحكام الأسماء والنيابة ، ومن سواه ادعيت فيه وما ادعاها ، قال فرعون : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) وما في الخلق من يملك سوى الإنسان ، وما سوى الإنسان من ملك وغيره لا يملك شيئا ، يقول الله تعالى في إثبات الملك للإنسان (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وما ثم موجود ما يقرّ له بالعبودية إلا الإنسان فيقال هذا عبد فلان ، ولهذا شرع الله له العتق ورغّبه فيه وجعل له ولاء المعتق إذا مات من غير وارث ، كما أن الورث لله من عباده قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) وما ثم موجود
____________________________________
وإن كان القصد بإنزال المطر في طلب العباد له سقي زراعاتهم ، فيتخرب بيت العجوز الضعيفة بذلك المطر ، قالت عائشة (يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال نعم إذا كثر الخبث بالمدينة ، فيعم الهلاك الصالح والطالح ويمتازون في القيامة) (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ثم قالوا عن