ولا يفهم منه إلا الظاهر بأول وهلة ، مثل قوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وقوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) وقوله (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) وأمثال هذه الآيات مما لا يحصى كثرة.
وأما كونه ذكرا : فلما فيه من آيات الاعتبارات وقصص الأمم من إهلاكهم بكفرهم ، كقصة نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وأصحاب الرس.
وأما كونه عربيا : فلما فيه من حسن النظم ، وبيان المحكم من المتشابه ، وتكرار القصص بتغيير ألفاظ من زيادة ونقصان ، مع توفية المعنى المطلوب في التعريف والإعلام مع إيجاز اللفظ ، مثل قوله (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) وقوله (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) وقوله (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) كل ذلك في آية واحدة ، تحتوي على بشارتين وأمرين بعلم نافع ، وتبيين ببشرى من الله.
وأما كونه مبينا : فبما أبان فيه من صفات أهل السعادة وأهل الشقاء ونعوت أهل الفلاح من غيرهم ، كقوله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) إلى آخر الآيات ، وكل آية أبان بها عن أمر ليعرف.
فلهذا سماه بهذه الأسماء كلها ، وجعله قرآنا أي طاهرا جامعا لهذه المعاني كلها ، التي لا توجد إلا فيه.
تفسير القرآن
اعلم أن الآية المتلفظ بها من كلام الله بأي وجه كان ، من قرآن أو كتاب منزل أو صحيفة أو خبر إلهي ، فهي آية على ما تحتمله تلك اللفظة من جميع الوجوه ، أي علامة مقصودة لمن أنزلها بتلك اللفظة الحاوية في ذلك اللسان على تلك الوجوه ، فإن منزلها عالم بتلك الوجوه كلها ، وعالم بأن عباده متفاوتون في النظر فيها ، وأنه ما كلفهم في خطابه
____________________________________
وبلاغته وجعله مغايرا لسائر الكتب بما حفظه به من التحريف جعله عربيا ، ولما ذكر فيه قصص الأولين والآخرين وشرائع المتقدمين ومنازلهم ومراتبهم وسابقتهم ومآلهم جعله ذكرا وسماه به ، ولم يجمع لغيره من الكتب هذه الأسماء كلها. وسائر أسماء الكتب مندرجة في هذه الأسماء التي