(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (٣٦)
أضيف الزلل إلى الشيطان ، وقد علم أنه ليس له على ذلك سلطان ، لأن الله جعله في الشاهد صفة نقص ، ودليل خسران ، تنزه الجناب العالي أن يضاف إليه ، أو إلى من شهد له بالكمال كالأنبياء صلوات الله عليهم. شرك الله بين إبليس وآدم وحواء من ضمير واحد ، وهو كان أشد العقوبة على آدم ، فقيل لهم : (اهْبِطُوا) بضمير الجماعة فكانت العقوبة في حق آدم في جمعه مع إبليس من الضمير ، حيث خاطبهم الحق بالهبوط ، بالكلام الذي يليق بجلاله ، ولكن لا بد أن يكون في الكلام الصفة التي يقتضيها لفظ الضمير ، فإن صورة اللفظ يطلب المعنى الخاص ، ولم يكن الهبوط عقوبة لآدم وحواء ، وإنما كان عقوبة لإبليس ، فإن آدم أهبط لصدق الوعد ، بأن يجعل في الأرض خليفة ، بعد ما تاب عليه واجتباه ، وتلقي الكلمات من ربه تصديقا لما قاله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وأهبطت حواء للنسل ، وأهبط إبليس للإغواء ، ليحور عليه جميع ما يغوي به بني آدم.
____________________________________
لأخراهم) (وقالت أخراهم لأولاهم) (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا) (وقال الذين استكبروا للذين استضعفوا) ولم يقل شيء من هذا في أهل الجنة ، فكأنه سبحانه أشار لهما بالشجرة النهي عن مخالفته فيما نهاهما عنه وموافقته ، تنبيها لهما على ذلك ، وأخبرهما أنهما إن خالفا أمره سبحانه كانا من الظالمين ، فقال (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) لأنفسهما حيث عرضا بأنفسهما للعقوبة ، وهذا يدلك على أن لنفسك عليك حقا ، وكذا قالا (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) وكان غرضنا أن نجمع في هذه السورة ذكر قصص آدم كلها في سائر السور ، وهكذا كل قصة تكرر ، ثم أني رأيت من الأدب أن الله فرّقها في السور لحكمة علمها ، فينبغي لنا أن نذكر الترجمة عنها في المواضع التي ذكرها الحق من سور القرآن ، حتى لا أحدث شيئا ، والاتباع أولى بأهل السعادة من الابتداع ، فنقول قال تعالى (٣٧) (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها) الآية ، لما كان متعلق النهي القرب لا الأكل ، لذلك عدل إبليس إلى الأكل ، ولم يقل لهما اقربا منها ، فيتذكران نهي الله عن القرب ، وعلم أنهما لا يقطعان منها ثمرة حتى يقربا ، وهذا من علمه بمواقع