(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٣٧)
وهذه الكلمات هي قوله (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(فَتابَ عَلَيْهِ) بكله وذريته فيه فأسعد الله الكل ، فله النعيم في أي دار كان منهم ما كان ، بعد عقوبة وآلام ، تقوم بهم دنيا وآخرة (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إذا اتفق أن يؤاخذ التائب فما يأخذه إلا الحكيم لا غير من الأسماء ، فإذا لم يؤاخذ فإنما يكون الحكم فيه للرحيم ، فإن الله تواب رحيم بطائفة وتواب حكيم بطائفة ، فوصف الحق نفسه بأنه التواب الرحيم ، أي الذي يرجع على عباده في كل مخالفة بالرحمة له ، فيرزقه الندم عليها ، فيتوب العبد بتوبة الله عليه لقوله (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) ـ إشارة ـ تاب الحق على آدم بتلقيه الكلمات العلية ، لأنه تلقاها من حضرة الربوبية ، حضرة الإصلاح.
____________________________________
إلى الخلود معه في الشقاء في دار البوار ، فأهل النار الذين هم أهلها هم أولياء الشيطان ، ولهذا سماهم الله شياطين الإنس والجن ، وقال (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) وقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) يقول إقامة وقرار (وَمَتاعٌ) يقول : استمتاع ، وهو كل ما يستمتع به من أكل وشرب ولباس ونعيم (إِلى حِينٍ) يقول : إلى حلول آجالكم ، يقول : مدة أعماركم ، فإن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، ثم قال (٣٨) (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) الآية ، قرئ برفع آدم ونصب كلمات وبالعكس ، أي من تلقاك فقد تلقيته ، فإن الملاقاة فعل فاعلين ، والأولى بمنصب آدم أن تكون الكلمات تستقبله لوجهين ، الوجه الواحد التعريف بعناية الله به حيث أعطاه ما أداه استعماله إلى إعادة السعادة إليه ، والوجه الثاني التعليم ، لأنه ليس له أن يدعوه بنية التقريب والقربة إلا بوحي منزل عليه ، فإذا رفعت آدم فمن حيث أنه استقبل الكلمات حين استقبلته من عند الله ، ويحتمل عدم ذكر واسطة الملك أنه سبحانه أوحى الله بها منه إليه بلا واسطة ، تشريفا له وتعريفا بالحال ، أن الوصلة بيني وبينك ما انقطعت بمخالفتك نهيي ، والأظهر في ماهية الكلمات أنها المذكورة في سورة الأعراف (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا ، لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فلما قال آدم الكلمات التي تلقاها من ربه أخبره تعالى أنه تاب عليه (فَتابَ عَلَيْهِ) أي رجع عليه بالسعادة بأن مآله بعد موته إلى الجنة في جوار الرحمن (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) الرجّاع بالرحمة على عباده ، وهو الذي يكثر منه الرجوع في