وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) فإذا تلا الإنسان القرآن ولا يرعوي إلى شيء منه ، فإنه من شرار الناس بشهادة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الرجل يقرأ القرآن والقرآن يلعنه ، ويلعن نفسه فيه ، يقرأ (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) وهو يظلم فيلعن نفسه ، ويقرأ «لعنة الله على الكاذبين» وهو يكذب فيلعنه القرآن ، ويلعن نفسه في تلاوته ، ويمر بالآية فيها ذم الصفة وهو موصوف بها فلا ينتهي عنها ، ويمر بالآية فيها حمد الصفة فلا يعمل بها ولا يتصف بها ، فيكون القرآن حجة عليه لا له ، قال صلىاللهعليهوسلم في الثابت عنه : «القرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها».
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) (٤٥)
فأمر من هذه صفته بأن يستعين بالصبر يعني بالصبر على الصلاة ، فقدّم حبس النفس عليها ، ثم ذكر الصلاة فقال : (وَالصَّلاةِ) فإن المصلي يناجي ربه ، فإذا ما حصل العبد في محل المناجاة مع ربه استلزمه الحياء من الله فلا يتمكن له أن يأمر أحدا ببر وينسى نفسه منه ، بل يبتدئ بنفسه. ثم ذكر خشوع الصلاة فقال : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) يعني الصلاة ثقيلة شاقة (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) وخشوع كل خاشع على قدر علمه بربه ، وقد جعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخشوع للقلب ولا سيما في الصلاة فقال : لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ، والخشوع لا يكون إلا لله فمن لم يخشع في صلاته فما صلى.
____________________________________
تَعْقِلُونَ) يقول : ليس لكم عقل تفهمون به عن الله ما أنزله في كتابه إليكم ، والنسيان الترك عن غفلة ، فكأنه يقول : وتغفلون عن أنفسكم ، وإذا لم يكن عن غفلة فهو التناسي (٤٦) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) الآية ، لما كان من قول العبد فيما شرع له (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بيّن الحق له ما يقع له به المعونة على عدوه إبليس ، فقال لعباده (وَاسْتَعِينُوا) على عدوكم (بِالصَّبْرِ) يقول : بحبس نفوسكم على طاعتي وامتثال ما أمرتكم به ونهيتكم عنه مطلقا ، فإن ذلك مما يقمع عدوكم (وَالصَّلاةِ) فإنه ما ثم عبادة ذكر فيها أنه فيها مناج ربه غير الصلوة ، فلهذا خصها بالذكر دون جميع الأعمال ، ليثابر العبد عليها ، فيكون ممن قال الله (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) وفي موضع آخر (عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) فإن الشيطان لا يتمكن له التمكن من قلب العبد في حال مناجاته ، لأن أنوار هيبة الحضرة تحرقه ، ولقد نشاهد هذا فيمن يحادث منا ملكا عظيما ذا جلال وكبرياء ،