الآية إذا لزمتها أمور من قبل أو بعد ، يظهر من قوة الكلام أن الآية تطلب تلك اللوازم ، فلا تكمل الآية إلا بها ، وهو نظر الكامل من الرجال ، فمن ينظر في كلام الله على هذا النمط ، فإنه يفوز بعلم كبير وخير كثير ، فإن الحق سبحانه لا يعيّن لفظا ولا يقيد أمرا إلا وقد أراد من عباده أن ينظروا فيه من حيث ما خصصه وأفرده لتلك الحالة ، أو عيّنه بتلك العبارة ، ومتى لم ينظر الناظر في هذه الأمور بهذه العين ، فقد غاب عن الصواب المطلوب.
المجاز في القرآن
الذي ينبغي من الكلام أن لا يقدّر فيه المحذوف إلا عند الحاجة إليه ولا بد ، لاختلال المعنى ، وأن لا ينتقل في الكلمة من الحقيقة إلى المجاز إلا بعد استحالة حملها على الحقيقة ، وكلام العرب مبني على الحقيقة والمجاز عند الناس ، وإن كنا خالفناهم في هذه المسألة بالنظر إلى القرآن ، فإنا ننفي أن يكون في القرآن مجاز بل في كلام العرب عند المحققين أهل الكشف والوجود ؛ وأما من حيث النظر والاعتبار فيجري مجرى العرب في كلامها من استعارات ومجاز بأدنى شبهة وأيسر صفة ، ففي القرآن من هذا القبيل كثير ، إذ القرآن جاء على لغة العرب كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربي مبين» وعلى هذا يفرق بين التفسير على الحقيقة لأهل الكشف والوجود ، فلا مجاز عندهم ، وبين التفسير لأهل النظر والاعتبار بالأنكار ، فهو على مجرى لسان العرب فيكون فيه المجاز.
نصيحة وتنبيه
التأيه على نوعين : تأيه بالصفة مثل قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وتأيه بالذات مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فمتى سمعت التأيه فلتنظر ما أيّه به ، لا من أيه به ، فاعمل بحسب ما أيه به من اجتناب أو غير اجتناب ، فإنه قد يؤيه بأمر ، وقد يؤيه بنهي ، كما يقول في الأمر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وكما يقول في النهي (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) وكذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فهذا تأيه إنكار ، فإذا أتى هذا كان له وجه للأمر ووجه للنهي ، فيأخذه السامع بحسب ما يقع له في الوقت ، وأي وجه أخذ به من أمر أو نهي أصاب ، وإن جمع بينهما جمع ثمرة ذلك فيكون له أجران ، فإذا أيه الله بأحد في كتابه فكن أنت ذلك المؤيه به ، فإن أخبر