(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤)
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) وإنما كانت أشد قسوة لأن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ، وأنتم ما عندكم في قلوبكم من هذا شيء ، يذمهم بذلك ـ تحقيق ـ اعلم أن الحجارة عبيد محققون ، ما خرجوا عن أصولهم في نشأتهم ، فالحجر يهرب من مزاحمة الربوبية في العلو ، فيهبط من خشية الله ، ومن خشي فقد علم من يخشى. ثم إن الله جعل هذه الأحجار محلا لإظهار المياه التي هي أصل حياة كل حي في العالم الطبيعي ، وهي معادن الحياة وبالعلم يحيا الإنسان الميت بالجهل ، فجمعت الأحجار بالخشية وتفجر الأنهار ، بين العلم والحياة ، قال تعالى : «وإن منها لما يتفجر منه الأنهار» مع اتصافها بالقساوة ، وذلك لقوتها في مقام العبودية ، فلا تتزلزل عن ذاتها ، لأنها لا تحب مفارقة موطنها ، لما لها فيه من
____________________________________
من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم) ، ولذلك جرى لهؤلاء لما كثر سؤالهم مضى (١) فيها من أموالهم كثير على ما حكي ، وأما قوله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ) وما قتله إلا واحد ، فهو راجع إلى قول بعضهم لبعض : أنتم قتلتم هذا القتيل ، وتدافعهم في ذلك ، فكأنه يقول : وإذ يقول بعضكم لبعض قتلتم نفسا فادار أتم فيها ، وأما قوله (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) لما كان الضرب يتضمن صفة القهر لذلك جاء به ، إذ إخراج الشيء من العدم إلى الوجود لا يكون إلا من قاهر ، كما جاء في قوله (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) ومن هذا الباب قوله تعالى (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فقرن الإيجاد بالأمر ، إذ في ضمن مخالفته الوعيد ، وهو من صفة القاهر ، ثم أخبر تعالى أنهم بعد ما عاينوا ذلك قست قلوبهم ، فقال تعالى (٧٥) (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد ما رأيتم الآيات ، فما وقع ما ترجاه موسى منكم من عقلها والثبات عليها (فَهِيَ) يعني قلوبكم (كَالْحِجارَةِ) في الصلابة والشدة ، (أَوْ
__________________
(١) ضاع.