الأصل على ما هو عليه ليبقى لهم العلم ولعلمائهم ، فما هو عند علمائهم محرف ، وهم يحرفونه لأتباعهم فأضلهم الله على علم ، فالتوراة مع اختصاصها بأن الله كتبها بيده لم يحفظها من التبديل والتحريف الذي حرفه اليهود. وحفظ كلام الله ، وعصمته إنما يعصم لأنه حكم ، والحكم معصوم ومحله العلماء به ، وتولى الله فينا حفظ ذكره واستحفظ كتابه غير هذه الأمة فحرفوه وهم يعلمون بمخالفتهم (راجع المائدة ـ ١٤).
____________________________________
إلا الله) وهؤلاء المنافقون قد قالوا آمنا بألسنتهم وهم يعلمون أنه رسول الله حقا ، لا يشكون فيه كما لا يشكون في أبنائهم ، وهم مصدقون بقلوبهم لأنهم لا ينكرون علمهم ، وأقروا بألسنتهم للمؤمنين إذا لقوهم ، فلم يبق سلب الإيمان عنهم إلا كونهم لم يقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، لقوله صلىاللهعليهوسلم ، قال تعالى (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) لا في قولهم ، فإنهم قالوا حقا ، ولا في بواطنهم ، فإنهم عالمون أنه رسول الله من كتابهم ، فلم يبق تكذيب الله لهم إلا أنهم أظهروا أنهم قالوها لقوله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكن كذلك ، فهذا معنى قوله لنبيه عليهالسلام وأصحابه (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) فيكون سرهم وعلانيتهم أن قالوها لقولك سواء ، هذا لا يكون منهم ، بل يجرون على ما كان عليه بعض أسلافهم ، وهو قوله (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) فيحتمل إضافة سماع الكلام لهم وجهان ، الواحد أن يكون سماعهم من تلاوة موسى عليهم كتابهم ، مثل قوله تعالى (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) ويحتمل أنهم سمعوا كلام الله كما سمعه موسى حين كلمه ربه على الطور وقد ذكر ذلك ، ووقع الإشكال من قوله (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) ما ضبطوه ، فلو لم يذكر التحريف كان يتقوى أنهم سمعوا كلام الله حين كلم موسى ، وكان يتعين أنهم السبعون الذين اختارهم ، وقوله (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) يغيرونه إما بحذف بعض الكلام ليزول المعنى ، مثل قولهم [ومن يبتغ الإسلام دينا] فأزالوا غير ، وإما أن يزيدوا فيه كلاما حتى يتغير المعنى إلى ما يريدونه ، وقوله (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يحتمل أن يكون الضمير يعود على قوم موسى أنهم عالمون بما حرفوا ، ويحتمل أن يعود على يهود المدينة (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنك رسول الله وأنك على الحق ، كما علم أسلافهم وغيّروا ، كذلك هؤلاء إذا فارقوكم يظهرون لإخوانهم أنهم بخلاف ما ظهروا لكم به من الإقرار والانقياد ، ثم قال تعالى (٧٧) (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) كان المنافقون إذا لقوا الذين آمنوا (قالُوا آمَنَّا) أي صدقنا (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) كان المسلم إذا خلا بأحد من ذوي رحمه من المنافقين يقول له المسلم : إن رسول