(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٦)
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أي علامة على صدق ما ادعاه ، فالآيات منسوخة في الأولياء لأنهم مأمورون بسترها ، محكمة في الأنبياء والرسل (أَوْ نُنْسِها) أي نتركها آية للأولياء كما كانت آية للأنبياء (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) من باب المفاضلة أي بأزيد منها في الدلالة ، وهي آيات الإعجاز فلا تكون إلا لأصحابها ، أو لمن قام فيها بالنيابة على صدق أصحابها ، فلا يكون لولي قط هذه العلامة من حيث صحة مرتبته ، وأما قوله (أَوْ مِثْلِها) الضمير يرجع إلى الآية المنسوخة ، فلم يكن لها صفة الإعجاز ، بل هي مثل الأولى ، ولا يصح حمل هذه الآية على أنها آي القرآن التي نزلت في الأحكام ، فنسخ بآية ما كان ثبت حكمه في آية قبلها ، فإن الله ما قال في آخر هذه الآية «ا لم تعلم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولا حكيم ، ومثل هذه الأسماء هي التي تليق بنظم القرآن الوارد بآيات الأحكام ، وإنما قال الله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ
____________________________________
ثم قال (١٠٧) (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (*) سبب نزول هذه الآية فيما قيل ، أن اليهود قالت : ألا تنظرون إلى محمد يأمر بأمر ثم ينهى عنه ويأمر بخلافه؟ فنزلت هذه الآية ، وهذا السبب كأنه لا يصح عندي ، فإن مساق الآية لا يعطيه ، فإنه قال في الآية (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) على جهة المدح ، وإبدال حكم بحكم من طريق التكليف ما فيه ذلك المدح من جهة القدرة ، إذ كان هذا تحت قدرة كل من له أمر مطاع في عشيرته ، بل الإنسان في بيته ، بل في نفسه ، وإنما الذي يقوي أنه سبحانه أراد بالآية هنا آيات الأنبياء صلوات الله عليهم التي نصبها دلالات بحكم الإعجاز على صدقهم ، وقد تقدم تكرارها كثيرا فقال تعالى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أي من دلالة على صدق نبي ، ونسخها ذهابها ورفعها ، إذا كانت فعلا ، فإنه ينقضي ، ولهذا أتى بها نكرة (أَوْ نُنْسِها) يقول : أو نتركها ، مثل القرآن الذي هو آية مستمرة إلى يوم القيامة فلا يعارض ، وكذلك من قرأ «أو ننساها» أو نؤخرها ، وهو ما بقي من الدلالات والآيات ولم يذهب مثل القرآن وغيره ، والذي رفع كعصا موسى وإحياء الموتى ، وقوله (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) يقول : أقوى منها في الدلالة ، لأن الآيات قد تظهر للعام والخاص ، فتكون أقوى من الآيات التي لا يظهر كونها آية إلا للعلماء ، وقوله (أَوْ
__________________
(*) تفسير هذه الآية بهذا المعنى الوارد هنا ، نسب إلى الشيخ محمد عبده كما جاء في تفسير المنار ، والثابت كما هو واضح أن الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي هو السابق لهذا المعنى الذي لم يرد في تفسير آخر من كتب المفسرين.