العظيم الصفات ، فظهرت في الوجود في واحد وواحد ، فحضرة تفرد ، وحضرة تجمع ، فمن البسملة إلى «الدين» إفراد إلهي ، ومن «اهدنا» إلى «الضالين» إفراد العبد المألوه ، وقوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تشمل وما هي العطاء ، وإنما العطاء ما بعدها ، و «إياك» في الموضعين ملحق بالإفراد الإلهي ، فصحت السبع المثاني ، يقول العبد ، فيقول الله ، (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) الجمع ، وليس سوى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وسميت الفاتحة الكافية ، لأن بقراءتها وحدها تصح الصلاة ، وهي قرآن من حيث ما اجتمع العبد والرب في الصلاة ، وهي فرقان من حيث ما تميز به العبد من الرب ، مما اختص به في القراءة من الصلاة ، والعبد في الفاتحة قد أبان الحق بمنزلته فيها ، وأنه لا صلاة للعبد إلا بها ، فإنها تعرفه بمنزلته من ربه ، وأنها منزلة مقسمة بين عبد ورب كما ثبت ، وتسمى الفاتحة سورة الحمد ، فإنها الجامعة للمحامد كلها ، وما أنزلت على أحد قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا ينبغي أن تنزل إلا على من له لواء الحمد ، فهي الجامعة للمحامد كلها فإنه سبحانه لا ينبغي أن يحمد إلا بما يشرع أن يحمد به ، من حيث ما شرعه لا من حيث ما تطلبه الصفة الحمدية من الكمال ، فذلك هو الثناء الإلهي ، ولو حمد بما تعطيه الصفة لكان حمدا عرفيا عقليا ، ولا ينبغي مثل هذا الحمد لجلاله. إشارة وتحقيق : اعلم أن الفاتحة لها طرفان وواسطة ، ومقدمتان ورابطة ، فالطرف الواحد بالحقائق الإلهية منوط ، والطرف الآخر بالحقائق الإنسانية منوط ، والواسطة تأخذ منهما على قدر ما تخبر به عنهما ، والمقدمة الواحدة سماوية ، والمقدمة الأخرى أرضية ، والرابطة لهما هوائية ، فهي الفاتحة ، للتجليات الواضحة ، وهي المثاني ، لما في الربوبية والعبودية من المعاني ، وهي الكافية ، لتضمنها البلاء والعافية ، وهي السبع المثاني ، لاختصاصها بصفات المعاني ، وهي القرآن العظيم ، لأنها تحوي صورة المحدث والقديم ، وهي أم الكتاب ، لأنها الجامعة للنعيم والعذاب ـ إشارة : هي فاتحة الكتاب لأن الكتاب عبارة من باب الإشارة عن المبدع الأول. وكذلك الروح ازدوج مع النفس بواسطة العقل ، فصارت النفس محل الإيجاد حسا ، فهذه النفس هو الكتاب المرقوم لنفوذ الخط ، فظهر في الإبن ما خط القلم في الأم ـ إشارة : الأم أيضا عبارة عن وجود المثل محل الأسرار ، فهو الرق المنشور الذي أودع فيه الكتاب المسطور المودعة فيه تلك الأسرار الإلهية.