يمشي بها» ، وأما قوله : «لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» فاعلم أن بصره سبحانه لا يتناهى مبصوراته ، ولا يحجبه عن خلقه حجاب ، وإنما ينكشف لك معنى الحديث لمراجعة ما قررته لك ، وبقوله صلىاللهعليهوسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فنبه بالشرط على أن العبد لا يشهد رؤية الله له حتى يغيب عن صفته ورؤيته ومراقبته لربه ، فكل عبادة تصحبها المراقبة فهي نور من حجب وجهه ينظر العبد منه إلى ربه تعالى ، وينظر الله منه إلى عبده ، فإذا كشف للعبد فيها حجاب المراقبة شهد رؤية الله سبحانه له ، فانتهاء بصره عبارة عن انتهائه بحسب كشف العبد وشهوده ، لا بحسب نفسه ، فإنه لا انتهاء له ، أو خلقه هو صفة العبد ، ورؤيته وإحراقه هو محوه بثبوت صفة الرب للعبد ، وصفة الرب ورؤيته هي سبحة (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ـ رقيقة ـ أوتر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الراحلة حيث توجهت ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم كله وجه بلا قفا ، فإنه قال صلىاللهعليهوسلم إني أراكم من خلف ظهري ، فأثبت الرؤية لحاله ومقامه فثبتت الوجهية له ، وذكر الخلف والظهر لبشريته ، فإنهم ما يرون رؤيته ، ويرون خلفه وظهره ، ومن كانت هذه حاله فحيث كانت القبلة فهو مواجهها ، فما أوتر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قط على راحلته حيث توجهت إلا والقبلة في وجهه (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) فمن كان وجها كله يستقبل ربه بذاته ، ووجه الله للمصلي إنما هو في قبلته ودل على أن من حاله هذا الوصف ويرى القبلة بعين منه تكون في الجهة التي تليها فهو مصل للقبلة ، والله جل جلاله عن التقييد فهو قبلة القلوب (إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) قال تعالى : (رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وهو الواسع لكل شيء ولهذا الاتساع هو لا يكرر شيئا في الوجود ، فإن الممكنات لا نهاية لها ، فأمثال توجد دنيا وآخرة على الدوام وأحوال تظهر ، وقد وسع كرسيه وهو علمه السموات والأرض ، ووسعت رحمته علمه والسموات والأرض وما ثم إلا سماء وأرض فإنه ما ثم إلا أعلى وأسفل ، فلا تكرار في الوجود ، وإن خفي في الشهود ، فذلك لوجود الأمثال ، ولا يعرفه إلا الرجال ، لو تكرر لضاق النطاق ولم يصح الاسم الواسع بالاتفاق ، وبطل كون الممكنات لا تتناهى ، ولم يثبت ما كان به يتباهى ، فإن الله واسع على الإطلاق (عَلِيمٌ) بما أوجد عليه خلقه.
____________________________________
الجهات ، ونبه أيضا بالمشرق على العلانية لأنه محل الظهور ، وبالمغرب على السر لأنه محل الغيب ،