(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٢٨)
اعلم أن توبة الله مقطوع لها بالقبول ، وتوبة العبد في محل الإمكان ، لما فيها من العلل وعدم العلم باستيفاء حدودها وشروطها وعلم الله فيها ، فالعارف يسأل ربه أن يتوب عليه ، فإن الرجوع إلى الله بطريق العهد وهو لا يعلم ما في علم الله فيه خطر عظيم ، فإنه إن كان قد بقي عليه شيء من مخالفة فلا بد من نقض ذلك العهد.
____________________________________
إليه أهل النار من البؤس ، ثم قال : (١٢٨) (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) الآية ، يحتمل رفع القواعد وجهين : الوجه الواحد (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ) ما قعد من البيت ، أي استوطا فرفعه إبراهيم ، والوجه الآخر ، أنه أخذ القواعد وهي الحجارة التي هي أصلا وأساسا للبناء عليها ، وقد تكون تلك القواعد قبل ذلك له على ما روي ، وقد تكون حجارة أنشأها ابتداء واختارها للأساس ، ومعنى يرفعها وذلك إذا جعلت القاعدة على المكان الذي تريد البناء عليه فقد رفعتها على ذلك المكان بلا شك ، فأراد وضعها وإسماعيل ، وقوله : (مِنَ الْبَيْتِ) من أجل بناء البيت ، وإسماعيل يرفعه معه ، ذلك لأنهما أمرا بالبناء معا ، ففي أي شغل كان من البناء فقد حصل الامتثال لأمر الله ، وقد يحتمل أن يكون قوله مبتدأ في وقت رفع القواعد يقول إسماعيل (رَبَّنا) أي يدعو بهذا الدعاء ، أو ما في معناه مما يتضمن طلب القبول من الله فيما كلفاه من العمل (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لدعائنا (الْعَلِيمُ) بعملنا وامتثال أمرك في ذلك (١٢٩) (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) يقولان في دعائهما : ربنا واجعلنا مسلمين ، يعني نفسه وابنه ، أي منقادين لأمرك متى أمرتنا بكل وجه (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) أي منقادة لأمرك أيضا ، وتأدب في ذلك ولم يقل كل ذريتي ، فإنه قد قيل له إن فيهم ظالمين : فقال : أمة منهم ، فكان كما دعا ، فجعل من ذريته رسلا ومؤمنين وصالحين إجابة لدعوتهما ، ثم قال : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) قد تكون الرؤية بمعنى العلم ، ولا يكون العلم بمعنى الرؤية ، فلما كان موضوع الرؤية أعم جاء بها ، لأن من المناسك ما يحتاج فيه إلى الرؤية ، كالأماكن ، فلا بد من تعيينها للبصر ، ومن المناسك ما يكون فعلا ، كأكثر أفعال الحج مما يعلم ولا يرى ، وهو الحكم بما يجوز من ذلك وما لا يجوز ، فلهذا أتى بقوله : (أَرِنا) وقوله : (وَتُبْ عَلَيْنا) أما إبراهيم فمن قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) في طلب الإمامة وأشياء لا يعرفها ، وكذلك إسماعيل ، وقد تكون التوبة هنا بمعنى