(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٢٩)
الحكمة ليست مطلوبة إلا من أجل ما تدل عليه ، واعلم أن الحكيم من العباد الذي ينزل كل شيء منزلته ، ولا يتعدى به مرتبته ، ويعطي كل ذي حق حقه ، لا يحكم في شيء بغرضه ولا بهواه ، ولا تؤثر فيه الأعراض الطارئة ، فينظر الحكيم إلى هذه الدار التي قد أسكنه الله فيها إلى أجل ، وينظر إلى ما شرع الله له من التصرف فيها من غير زيادة ولا نقصان ، فيجري على الأسلوب الذي قد أبين له ، ولا يضع من يده الميزان الذي قد وضع له ، في هذا الموطن ، فإنه إن وضعه جهل المقادير فإما يخسر في وزنه أو يطفف ، وقد ذم الله الحالتين ، وجعل تعالى للتطفيف حالة خاصة يحمد فيها التطفيف ، فيطفف هناك على علم فإنه رجحان الميزان ويكون مشكورا عند الله في تطفيفه ، فإذا علم هذا ولم يبرح الميزان من يديه لم يخط شيئا من حكمة الله في خلقه ويكون بذلك إمام وقته ، ومن الحكمة عدم إظهار الحق لعباده ، وتعريف الخلق به ، في الموطن الذي يؤدي ذكره إلى أذى الله ورسوله ، ومن الحكمة أن لا يعرض الحكيم بذكر الله ، ولا بذكر رسوله ، ولا أحد ممن له قدر في الدين عند الله ، في الأماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر الله فيها أو رسوله أو أحدا ممن اعتنى الله به ، كالصحابة عند الشيعة ، فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور ، وشتمه ، وإدخال الأذى في حقه ، ففي مثل هذا الموطن لا يذكره.
____________________________________
الرجوع إليه في كل حال ، وهذا التفسير على معنى (فتاب عليهم ليتوبوا) وأما على ظاهر اللفظ فليس فيه توبة منهم ، فمعناه إذا تاب الله عليهم لم تقع منهم فيما بعد مخالفة ، فإن توبة العبد قد يرجع عنها ، ومن تاب الله عليه فلا يرجع ، ووجه آخر وهو قولهما : (وَتُبْ عَلَيْنا) أي ارجع علينا في كل حال بالرحمة والعطف واللطف والتوفيق والرشد والاستعمال في محابك ومرضاتك (إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ، ثم قال : (١٣٠) (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) فالسؤال في أن يكون الرسول منهم (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ) ذلك الرسول (آياتِكَ) ما أنزلت عليه من الصحف والكتب (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) أي ما في الكتاب مما خاطبتهم به ، أو يأمرهم بتعليم الكتاب حتى