على معارج حروف القرآن وكلماته بسور تلك الحروف والكلمات والآيات والسور والحروف الصغار منه ، وبه يتميزون عن أهل الموقف في هذه الأمة ، لأن أناجيلهم في صدورهم (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) فإن الدار الدنيا دار بلاء وفيها يظهر الصادق من الكاذب
____________________________________
الأصنام التي نصبوها للعبادة فكانوا يقربون لها ، فعلى هذا يخرج قوله : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ) لكم [شهيدا] بعلامات قد جعل الله في أمته ، يعرف بها المؤمن منهم من غير المؤمن ، فيشهد للمؤمن ويشهد على الكافر ، فمن علامة المؤمنين أن لهم نورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن ذلك أن يأتوا غرّا محجلين من آثار الوضوء ، وقد يخرج على شهادته على الكفار ممن بعث إليهم فلم يؤمنوا به ، فإن رسالته عامة لجميع الخلق وكافرهم أكثر من مؤمنهم ، فغلّب الكثرة على القلة ، فأتى بعلى دون اللام ، وعطف ضمير المخاطب في عليكم على الضمير في تكونوا لما يتضمن ضمير المخاطب من المؤمنين ، فإن الأنبياء كلهم يوم القيامة يشهدون على أممهم لله بردهم دعوة الحق التي جاؤوا بها إليهم ، ثم قال تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) يقول : قبلة لك ، أي تتوجه إليها عند الصلوة وفي الدعاء ، الكعبة وبيت المقدس ، إلا ابتلاء لقومك ، فإنه صلىاللهعليهوسلم كان يصلي بمكة إلى الكعبة ، ثم صلى إلى البيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثم أمر باستقبال الكعبة ، كل ذلك اختبارا ومحنة لقومه ، ودلالة على صدقه ، وأنه في كتابهم من علاماته أن يصلي إلى القبلتين ، ولذا قال : [وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم] ثم قال [ليعلم الرسول والمؤمنون] لأنه سبحانه شرّك في الضمير بينه وبينهم تشريفا لهم ، لأنهم أهل القرآن ، فهم أهل الله وخاصته ، وهذا كثير في كلام العرب معروف غير منكور ، والذي يتعلق به من التأويل في جناب الحق هو أن يتعلق العلم بالكائن كما تعلق بسيكون ، فهو لتعلق العلم لا لاكتساب العلم ، ومنه قوله : [ولنبلونكم حتى نعلم] فقال : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) فيما يشرع لكم على يده ، أي يقتدي به من غير معارضة ولا اعتراض ، (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ) أي يرجع عنه (عَلى عَقِبَيْهِ) يعني إلى ضلالته التي جاء منها مقبلا على الرسول ليسمع منه ، فلما تبين له الهدى انقلب على عقبيه فأضله الله على علم [وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون] وهؤلاء الذين انقلبوا على أعقابهم في هذه المسألة وغيرها ، هم الذين يكون غدا جزاؤهم عند الله إذا قالوا للمؤمنين : [انظرونا نقتبس من نوركم قيل لهم] من جانب الحق [ارجعوا وراءكم] كما رجعتم عندما رأيتم نور الهدى في الدنيا على أعقابكم [فالتمسوا نورا] هنالكم ولن تجدوه ، وكثرت قالة الكفار والمنافقين في رجوع النبي عليهالسلام إلى استقبال