(وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، اعلم أن للرأفة موطنا لا تتعداه ، وإن الله يحكم بها حيث يكون وزنها ، فإن الله ينزل كل شيء منزلته ، ولا يتعدى به حقيقته ، فالله هو الرؤوف تعالى مع أنه شرع الحدود ، وأمر بإقامتها ، وعذب قوما بأنواع العذاب الأدنى والأكبر.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (١٤٤)
لا يرفع حكم أن وجه الله حيثما توليت ، ولكن الله اختار لك ما لك في التوجه إليه سعادتك ، ولكن في حال مخصوص وهي الصلاة ، وسائر الأينيات ما جعل الله لك فيها هذا التقييد فجمع لك بين التقييد والإطلاق ، والمسجد الحرام موطن عبودية لأن السجود
____________________________________
الكعبة في الصلوة بما لا يفيد ذكره (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) إن هنا مخففة من الثقيلة ، ولهذا دخل في خبرها اللام لأنه يقرأ بالرفع على زيادة كان ، والضمير في كانت يعود على التولية أو الجعلة ، وكونها كبيرة حيث ثقلت عليهم ، وقد أخبر عن الصلاة أنها كبيرة إلا على الخاشعين ، أي ثقيلة شاقة ، فقد انضافت إليها كبيرة أخرى ، وهي التولية إلى الكعبة ، فزادتهم مشقة إلى مشقتهم (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) يقول إلا المؤمنون الذين ليس في قلوبهم مرض ، فإن ذلك كله هين عليهم محبوب لهم ، إذ ليس لهم غرض بتصريف مخصوص معين ، بل هم مرتقبون لما يصرفهم إليه الحق وما يصرفهم فيه ، ثم قال : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ) أي ليخيب (إِيمانَكُمْ) أي تصديقكم وصلاتكم إلى القبلة التي حولتم عنها ، لما علم أن بعضهم سيقدح ذلك في نفسه ، ويقول : هل له أجر في عمله الأول أم لا؟ فأخبره الله بأنه لا يضيع عمل عامل منهم ، قال تعالى : [إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا] وكيف يضيعه وهو الذي شرعه ووعد بالأجر عليه ووعده صدق (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ) عطوف عليهم ، ولذلك شرع لهم وأبان طريق سعادتهم ولم يعمّ عليهم ولا لبّس ، (رَحِيمٌ) بهم فيما أسبغ عليهم من النعم مع كفرهم به لعلهم يرجعون ، ثم أخذ يخاطب نبيه عليهالسلام فقال : (١٤٥) (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) الآية ،