إلا الأماكن التي خصصها الدليل الشرعي في ذلك لا لأعيانها ، وإنما ذلك لوصف قام بها ، فيخرج بنصه ذلك القدر لذلك الوصف ، وقوله : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) أي إذا خرجت من الكعبة ، أو من غيرها ، وأردت الصلاة فول وجهك شطرها أي لا تستقبل بوجهك في صلاتك جهة أخرى لا تكون الكعبة فيها ، فقبلتك فيها ما استقبلت منها ، وكذلك إذا خرجت منها ما قبلتك إلا ما يواجهك منها سواء أبصرتها أوغابت عن بصرك ، وليس في وسعك أن تستقبل ذاتها كلها بذاتك ، لكبرها وصغر ذاتك ، فالصلاة في داخلها كالصلاة خارجا عنها ولا فرق ، فقد استقبلت منها وأنت في داخلها ما استقبلت ، ولا تتعرض بالوهم لما استدبرت منها إذا كنت فيها فإن الاستدبار في حكم الصلاة ما ورد وإنما ورد الاستقبال ، وما نحن مع المكلّف إلا بحسب ما نطق به من الحكم ، فلا يقتضي عندنا الأمر بالشيء النهي عن ضده فإنه ما تعرض في النطق لذلك ، فإذا تعرض ونطق به قبلناه ، ومن صلى فوق البيت لم يصل الصلاة المشروعة ، فإن شطر المسجد لا يواجهه وهو مأمور بالاستقبال إليه في الصلاة وهو في هذه الحالة لا فيه ولا مستقبله.
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٠)
ـ تفسير من باب الإشارة ـ (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) إلى الوجود أي من زمان خروجك من العدم إلى الوجود فارجع بالنظر والاستقبال مفتقرا مضطرا إلى ما منه خرجت ،
____________________________________
اشتراكه في الضمير مع أمته ، ولذا خصصه في الثالثة أيضا مع تشريكه في ضمير المخاطبين من المكلفين من أمته ، هذا وجه ، والوجه الآخر ، أن الأول قرن معه علم الذين أوتوا الكتاب أنه الحق من ربك ، وما قرن معه علمه به بأن أعلمه هو تعالى أنه الحق على الاختصاص لا بحكم التضمين كما أعلمهم ، وهو عليهالسلام أولى بعلم الاختصاص من أن يعلم من أنهم علموا أنه للحق ، وكرره باللفظ الظاهر حتى يرتفع اللبس ، ولو كان مضمرا ربما وقع الخلاف في صاحب