(الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١٥٦)
ثم من فضله ورحمته نعت لنا الصابرين لنسلك طريقهم ، ونتصف بصفاتهم عند حلول الرزايا والمصائب التي ابتلى الله بها عباده ، فقال في نعت الصابرين : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) يريد في رفعها عنهم ، وقولهم : (إِنَّا لِلَّهِ) فهم لله في حالهم (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) عند مفارقة الحال ، فالرجوع فيها إلى الله ليزول عنه ألمها ، فأثنى الله على من يقول إذا أصابته مصيبة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) وأخبر بما يكون منه لمن هذه صفته وبما لهم منه تعالى في ذلك فقال :
____________________________________
غير محسوس ، وهو ما يجدونه في أنفسهم من قول الكفار ، قد يمكن أن يكون منهم دعوى في الصبر ، فقال لهم الله : إني ابتليتكم بأمور محسوسة تتألم النفوس لأجلها ، فإن صبرتم عندها واحتسبتم ولم يشغلكم ذلك عن عبادتي ورجعتم إليّ في ذلك كله ، فسأبشركم بما لكم عندي لذلك ، فقال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ) أي بقليل (مِنَ الْخَوْفِ) أي من الأسباب المخيفة ، من جمع عدو لكم لا طاقة لكم بدفعه ، حتى أرى هل تخافون غيري ، أو ترجعون في دفع ذلك إليّ لعلمكم بأن ذلك من تسليطي ، ثم قال : (وَالْجُوعِ) أي وقلة الرزق وعدمه حتى يمسكم الجوع ، فنرى هل ترجعون في دفع ألم الجوع إليّ أو إلى الرزق ، ثم قال : (وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ) موت الإبل والغنم ، فإنها أموالهم قد خصوها بهذا الاسم ، وقلوبهم منوطة بها (وَالْأَنْفُسِ) بطاعون يسلطه عليهم (وَالثَّمَراتِ) بالجوائح ، فإن احتسبوا ذلك وصبروا على ما كلفهم الله من عبادته في كل ما ابتلاهم به ولم يشغلهم ذلك صدقوا في صبرهم ، فبشرهم الله فقال : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ثم نعت الصابر ليعلم من هو الصابر عنده سبحانه الذي يصح له البشرى من الله ، لأن ذلك لا يدرك إلا بإعلامه ، فقال في نعت الصابرين : (١٥٧) (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) نالتهم مصيبة ، أي نزلت بهم رزية في أموالهم وأنفسهم ، أية مصيبة كانت مشتق من صاب المطر إذا نزل (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) أي إنا خلقنا لله لا لأنفسنا ، أي لنعبده ، لأنه يقول : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ما خلقنا لرزق ولا لنعيم ولا بؤس ، فما كان من الله إلينا من خير فمن فضله ومنته ، وما كان من غير ذلك فمن حكمه وقضائه ، فالواجب علينا القيام بوظيفتنا من عبادتنا في هذه الأحوال المختلفة من النعيم والبؤس (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فيها على حسب ما كلفنا ، فإن كلفنا بالسؤال له في دفعها رجعنا إليه سائلين متضرعين داعين في دفع ذلك عنا من حيث ما أمرنا ،